في علم الاجتماع، يسمى السلوك المتبادل بين الأفراد في المجتمع باسم «التفاعل الاجتماعي»، والسلوك المتبادل يتضمن الكلام والأفعال بين البشر بعضهم البعض، ومن التفاعل الاجتماعي تنشأ «العلاقات الاجتماعية» مثل الزواج والصداقة والزمالة في العمل والمنافسة والتعاون والصراع والحروب.. الخ. مشكلة معظم المسلمين اليوم ـ خاصة ذوي الفكر الرجعي (الرجوع لعصر معين) ـ أنهم يعتقدون بأن «التفاعل الاجتماعي» الذي حصل بين المسلمين في بداية الإسلام هو «أمر إلهي» ثابت ويجب أن يعمم على كل البشر في كل أنحاء الأرض، والكواكب الأخرى ربما لو أمكن. يعتبرونه هو الإسلام، وهذا غير صحيح بالتأكيد، لأن ما حصل بين المسلمين في ذلك العصر هو «تفاعل اجتماعي» طبيعي جدا يتفق مع طبيعة ذلك العصر، ولا يمكن تعميم ذلك التفاعل الاجتماعي على كل المجتمعات وفي كل الأزمنة، فلكل مجتمع وفي كل زمان خصوصيته الاجتماعية.
***
الإسلام هو الإسلام في كل العصور وفي كل مكان، لا خلاف على هذا، لكن علينا أن نفهم أن الإسلام هو معتقدات وأحكام إلهية، نجدها في القرآن الكريم وفي التقريرات الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس من التفاعل الاجتماعي بين المسلمين، بمعنى أن السلوكيات التي تمت بين المسلمين في ذلك العصر هي سلوكيات تعبر عن ذلك المجتمع، الذي له خصوصيته في التعبير عن الفرح والخطبة ودفع المهر وحفلة العرس وطبخ الطعام واللبس وتنظيم السوق واللغة واعتبارات المكانة الاجتماعية وأهمية القرب والبعد بين أبناء العمومة.. وكذلك الصراعات التي دارت بينهم آنذاك، فهي كلها نتاج تفاعل اجتماعي لذلك العصر، الصراع ذاته ليس هو الإسلام ولا يؤسس عليه أية مقدسات.
***
لابد أن يميز المسلمون بين ما هو «اجتماعي» بطبيعته، وبين الإسلام بوصفه دين إلهي، الإسلام ذاته يختلف عن المسلمين، المسلمون بشر يعتنقون الإسلام بوصفه دين، والدين يختلف عن المجتمع والأفراد.
لاحظوا.. ان استمرار تقاتل السنة والشيعة بهذه الوحشية منذ قرون هو نتيجة طبيعية لاعتبار «التفاعل الاجتماعي» بين المسلمين آنذاك بمنزلة أحكام دينية ومعتقدات، أي جزء من الإسلام
***
باختصار.. الإسلام ذاته هو ما قرره الله عز وجل وليس ما فعله الناس في المجتمع الاسلامي، المجتمع «يطبق» أحكام الإسلام ويمارس الشعائر الدينية، لا ينتجها، انه فقط يمارسها ويتعامل بها، لا يصنعها. ولفهم أسهل تخيلوا أن «التفاعل الاجتماعي» مثل «التفاعل الكيميائي» بين المواد، فالمواد تتفاعل وينتج عن تفاعلها مواد جديدة وعلاقات جديدة ونتائج جديدة (ألوان، أصوات انفجارات أشكال.. الخ)، وبالمثل التفاعل الاجتماعي بين أفراد المجتمع ينتج عنه علاقات جديدة وتعاملات جديدة ومفاهيم جديدة. وعلى كل مجتمع أن يوجد أفضل النظم التي تضمن استقراره وتقدمه وفقا لطبيعة العصر، عليه أن ينتج قواعده هو لا قواعد مجتمع آخر، وفي حالة المجتمع الإسلامي، يتم هذا وفقا لمبادئ وأحكام الإسلام التي تمثل دستورا إلهيا خالدا. بالنهاية، نحن بحاجة إلى فهم مبادئ الإسلام لنؤسس عليها نظما إدارية واقتصادية وسياسية واجتماعية.. الخ، وليس إلى اجترار صراعات المسلمين في هذا العصر أو ذاك.
[email protected]