رغم انه ظاهريا يبدو ان فصي المخ، الأيمن والأيسر متطابقين من الناحية السيمترية، أي بينهما تناظر تام، إلا ان العلم أثبت أن لكل فص منهما «مجالات وظائف» تختلف عن الآخر، فثبت علميا أن الفص الأيسر من المخ هو المسؤول عن النطق، العمليات الحسابية، العمليات المنطقية والترابط بين الأشياء (السببية) وجميع العمليات الهندسية والرياضية.
بينما يختص الفص الأيمن بالعمليات الروحية وإدراك المعطيات التي تشكل لاحقا المعتقدات والأفكار الدينية، وكذلك عن الالهام والابداع والفنون والغيبيات عموما.
لذلك، يصف كثير من العلماء الحضارة الغربية بأنها حضارة الفص الأيسر من المخ، فالإنسان الغربي بصورة عامة يستخدم جزءه الأيسر من المخ بصورة أكبر، بينما الحضارة الشرقية فمن الواضح جدا أنها حضارة الفص الأيمن فقط. هذا واضح جدا من خلال الإنتاج الحضاري لكل منهما، فالغرب متميز بالعلم والتكنولوجيا، بينما الشرق يمتاز بالشعر والروحانيات.
****
هناك تجارب عديدة مثيرة حول تشكل وتكوين التعصب للجماعة أو للأفكار والمعتقدات عند الأفراد، منها تجربة تثبت أن التعصب يعني فعليا استخدام منطقة التفكير العاطفي الموجودة في الفص الأيمن من المخ، وليس التفكير المنطقي والهندسي والرياضي والفلسفي الموجود في الفص الأيسر.. ثبت هذا فعلا مع مئات الأشخاص ممن جرى تقسيمهم لفريقين، ففي كل مرة تضيء وتتوهج علامات منطقة التفكير العاطفي في الفص الأيمن عندما يتم سؤالهم عن رأيهم بفريق كرة قدم أو حزب سياسي أو مظاهر دينية أو سياسية.. الخ.
بينما تتوهج منطقة التفكير العلمي والمنطقي أكثر عندما يتعلق الأمر بقضايا عامة أو علمية لا تثير بطبيعتها خلافات سياسية أو إيديولوجية.
هذا يعني بوضوح أننا نستخدم منطقة التفكير العاطفي في معظم شؤون حياتنا، ونعطل منطقة التفكير العلمي، وهذا يتم عن عمد وإرادة بهدف الانتصار لأيديولوجيا أو معتقد، ولو كان بالإمكان رؤية المناطق النشطة في رؤوس الناس خلال أحاديثهم ونقاشاتهم، لرأينا توهج الفص الأيمن باستمرار، حيث منطقة التفكير العاطفي الخالي من أي منطق وعقلانية وموضوعية
****
نحن نحتاج بشدة الى تطوير تقنيات الإكثار من استخدام الفص الأيسر من أدمغتنا، مقابل التقليل كثيرا من استخدام الفص الأيمن، بهدف استعادة التوازن المفقود في حضارتنا ومن أجل الحفاظ على ما تبقى فينا من إنسانية، وهذا ممكن بطرق علمية مثبتة عن طريق تطوير مناهج التعليم التي تقوم على تنمية التفكير العلمي والعقلاني والابتعاد عن تقنيات الحفظ والتلقين وخطابات التهييج العاطفية، وللفلسفة والرياضيات هنا شأن كبير.
تأملوا في نوعية الخطابات الفاعلة والمؤثرة في بلداننا والتي تستقطب الحشود بالآلاف، انها تلك الخطابات العاطفية الخالية من المنطق والعقلانية، خطابات السب والتكفير والإقصاء وادعاء البطولات الزائفة، لأن معظم الناس يستخدمون الجزء الأيمن من المخ فقط، ولذلك إذا حاول شخص ما أن يتحدث بلغة علمية ومنطقية وموضوعية فلن يجد من يستمع إليه أو يفهمه، فهذه خطوة لاحقة تتطلب أولا توافر أشخاص مهيئون للتعاطي مع خطاب عقلاني، نحتاج أولا لتقنيات تجعلهم يستخدمون الجزء الأيسر من المخ لكي يتمكنوا من فهم الحديث العقلاني والعلمي.
المسألة باختصار أشبه بجهاز تشغيل الفيديو، فأنت لا تستطيع أن تضع قرصا مدمجا dvd في جهاز قديم مخصص للشرائط الممغنطة، نحتاج أولا لتطوير آلية تفكيرنا وتعاملنا مع المعطيات بحيث لا نقبل الأفكار لمجرد أنها صادرة عن شخص يلبس بمظهر معين أو يحمل لقبا ما.
وهذا لن يتم إلا من خلال تطوير التعليم والانتقال به من مناهج الحفظ والتلقين إلى مناهج التفكير النقدي والبحث الحر.
[email protected]