محمد الخالدي
يرى كثير من المؤرخين أن الهولوكوست كانت من أكثر عمليات الإبادة الجماعية تنظيما وتطورا إذ كان لدى السلطات النازية «قائمة» دقيقة بأعداد وأسماء وعناوين اليهود المراد تصفيتهم، ومن بين الوثائق المهمة في تلك المرحلة تلغراف أرسله هيرمان هوفل (الرجل الثاني المسؤول عن عمليات التصفية) إلى هتلر يخبره عن تطور العملية وأعداد اليهود الذين تمت تصفيتهم في غرف الغاز حتى أصبحت هذه الوثيقة (تلغراف هوفل) أحد أهم الوثائق التي استند إليها اليهود في محاكمات نورمبرغ. لا أعرف لماذا أتذكر هذا التلغراف كلما قرأت البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية والتي تتحدث فيها «قوائم» بأسماء وعناوين وأرقام حسابات البنوك لعدد كبير من المواطنين ممن قاموا بتصفح مواقع إباحية أو تجمهروا في ساحة الإرادة للتعبير عن رأيهم و«سخطهم» من ضعف الحكومة وجمودها
لا أستطيع أن أقتنع صراحة بأن هدف وزارة الداخلية من هذه القائمة السوداء حماية المواطنين من تصفح المواقع الإباحية، وإلا فأين دورها من القنوات الفضائية وأجهزة الاستقبال المفتوحة التي تباع علنا بالمحلات، وأين دورها من شقق الدعارة التي يعرفون مواقعها جيدا ويعرفون مرتاديها، وأين دورهم من «مصانع» الخمور المحلي في الجليب وغيرها والتي أصبحت مناطق غير كويتية بالكامل، وأين دورهم من تحرشات المراهقين ببنات خلق الله في الأسواق والشوارع، وأين دورهم من حرب الشوارع التي باتت تحصد أرواح البشر بالمئات في حوادث عبثية، وأين دورهم من العمالة السائبة الذين يتسولون عند إشارات المرور وأين.. وأين؟ لو كانت وزارة الداخلية حريصة بالفعل على حماية المجتمع من السلوكيات الضارة لوجهت جهودها إلى هذه المظاهر التي تهدد أمن المجتمع بدلا من تفرغها للتجسس على عباد الله وتشكيل قوائم بأسماء وعناوين وأرقام تشبه قوائم النازيين ضد اليهود
يا لها من انتكاسة كبرى أن تتحول الكويت، هذا البلد الذي يفتخر أهله بمساحة الحرية والأمان، إلى دولة بوليسية تطارد وزارة الداخلية فيها المواطنين وترصد تحركاتهم وتتجسس على تصرفاتهم الشخصية وتدون لهم قوائم وتنصب كاميرات مراقبة في أماكن تجمعاتهم السلمية، ولا ندري أي مصيبة أخرى في جعبة «حماة الوطن» ربما تكشف عنها الأيام القادمة. قائمة وزارة الداخلية السوداء وتصريح المسؤولين عنها لا تدل إلا على لغة تهديد مبطن تشبه لغة تهديد المحافظين الجدد لدول العالم، فهي قائمة مفتوحة وتتسع بالتأكيد لكل شخص غير مرغوب فيه، تماما كما اتسعت قائمة «الإرهابيين» عند المحافظين الجدد.