محمد هلال الخالدي
تجربة الغزو الصدامي للكويت عام 1990 كان تجربة قاسية ومؤلمة للجميع، وبشكل خاص للكويت والعراق اللذين فقدا الكثير من أرواح الأبرياء إضافة إلى الخسائر المادية الهائلة والدمار الكبير في البنية التحتية والتراجع عن ركب الحضارة لكلا البلدين، فكلانا بلا شك ضحية ذلك العدوان الهمجي للمقبور صدام حسين ونزواته العسكرية، واليوم ونحن نمر بالذكرى التاسعة عشرة لتلك التجربة الأليمة علينا أن نراجع حساباتنا مع جارنا «الجديد ـ القديم» بشيء من العقلانية وبعيدا عن التعصب.
من حق العراقيين أن يسعوا لخلاص بلادهم من قيود الفصل السابع وان يعملوا على إعادة بناء بلدهم من جديد، ومن حقنا أن نتمسك بتعويضاتنا ونصر على تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن قبل خروج العراق من هذا القيد، ولكن أليس من واجبنا أيضا أن نقف مع العراق الجديد كونه بلدا عربيا مسلما تربطنا بشعبه روابط الدين والدم والقربى، وألا نتعامل مع التزامات العراق تجاه الكويت بمنطق حاد إما أبيض أو أسود، فهناك دائما مساحة رمادية واسعة يمكن التحرك خلالها والوصول إلى حلول وسطى ترضي الجميع. وفي اعتقادي إن مسألة الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية والبرية بين البلدين أهم بكثير من مبلغ التعويضات، والعراقيون إذا كانوا غير قادرين على دفع التعويضات كونها تشكل عبئا اقتصاديا كبيرا اليوم، فما عذرهم في عدم الانتهاء من ترسيم الحدود حتى الآن؟
تسلمت الكويت حتى الآن ما يزيد على 13 مليار دولار من قيمة التعويضات التي تقدر بحوالي 25 مليارا، وفي ظل هذه الظروف العالمية الجديدة علينا أن نعيد التفكير جديا في إيجاد طرق بديلة لاستيفاء باقي التعويضات كإسقاط جزء منها واستبدال الجزء الآخر باستثمارات طويلة المدى وغيرها من الحلول، المهم أن يتقدم الاخوة في العراق بخطوة جادة في مسألة ترسيم الحدود وإزالة التعديات على الأراضي الكويتية حتى نستطيع أن نتقدم نحن بخطوتين، إذ لا يمكن أن يستمر الوضع بهذه الصورة ومن مصلحة البلدين أن تكون العلاقات بينهما قوية وجيدة ليستقر الجميع وترتاح المنطقة.
دعم العراق الجديد كدولة ديموقراطية تحكمها المؤسسات يهمنا في الكويت أكثر من غيرنا، فهو ضمانة لنا لعدم تكرار تلك التجربة مرة أخرى، والتعويضات المادية ينبغي أن تكون آخر ما نفكر فيه إذا أردنا الخير لمستقبل البلدين، فما خسرناه من ذلك الاحتلال أكبر بكثير من مبلغ التعويضات عشرات المرات. على الرغم من أن الكويت ساهمت بشكل كبير في تحرير العراق، وساهمت أيضا في إغاثة الشعب العراقي، وساهمت في عودة العلاقات بين البلدين وقامت بإعادة فتح سفارتها في بغداد في فترة حرجة وخطيرة، إلا أننا لا نزال نجهل أهمية الدور الإعلامي ومواجهة الأكاذيب التي تحاول أن تظهر الكويت وكأنها العدو الأول للعراق وشعبه، فنحن لا نزال في نظر الرأي العام العالمي السبب في تجويع الشعب العراقي والسبب في استمرار معاناته بالرغم من أننا نحن الضحية، كل هذا لأننا مشغولون بصراع سياسي داخلي سخيف يجعلنا لا نرى ولا نسمع ما يدور من حولنا.