قال مونتسكيو: «في العقل ثقب لا يملؤه إلا الله».
ربما تفسر هذه العبارة العميقة سر انشغال البشر بوجود إله، حتى النفاة أو الملحدون مشغولون بوجود الله، وإلا لما تكبدوا عناء محاولة نفي هذا الوجود ولما شكلت هذه الفكرة محور اهتمام يقض مضاجعهم.
كتب الأديب الانجليزي كولن ولسون: «في الساعة الثالثة فجرا أنهيت كتابة مقال أنكرت فيه وجود الله، وحين ذهبت لأنام، لم أستطع أن أطفئ النور خوفا مما سيفعله الله بي».
هذا ما يصيب كل البشر في حالات الضعف وعند مواجهة الموت، نذكر مثلا كبير الملحدين الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر الذي حين حضره الموت طلب القسيس وراح يبكي بين يديه.
والحق ان الدراسات الاجتماعية أثبتت أن المجتمعات البشرية كلها عرفت الله، لكنها عبرت عن ذلك بطرق مختلفة، حتى الديانات غير السماوية كالطاوية والكونفشيوسية التي بدأت على يدي رجال أتقياء وضعوا مجموعة من النصائح الأخلاقية، فما كان من أتباعهم إلا أن حولوهم لآلهة وعبدوهم هم أنفسهم بعد وفاتهم.. نعم، انه الثقب الذي لا يسده سوى فكرة وجود إله عظيم يهيمن على هذا الكون ويحفظ له توازنه.
الغريب، أن كل المجتمعات البشرية لديها فكرة متشابهة عن الله، وكلهم ينظرون للأعلى حين يتحدثون عن الله، وكل المعابد ترتفع مناراتها للأعلى متجهة إلى السماء، يختلفون في التفاصيل، ويتقاتلون بسبب هذه التفاصيل أيضا.. انه الثقب الذي لا يملؤه سوى الله.
****
كتب الجواهري..
تجري على رسلها الدنيا ويتبعها،
رأي بتعليل مجراها ومعتقد.
****
يشكل موضوع «الشر الوجودي» أو الشر الانطولوجي صلب فلسفة الدين، وينطلق من تساؤل أو شك بالأحرى حول معنى وجود هذا الكم الهائل من الشر وكيف يسمح الله بوجوده؟ حتى بلغ ببعض الفلاسفة إلى انكار وجود الله ذاته لأنهم لم يستطيعوا أن يجدوا مبررا لوجود الشر في العالم.
وتعد الفلسفة الوجودية واحدة من أهم المدارس التي تطرقت لهذا الموضوع، وانتهى المطاف بمعظم- إن لم يكن- فلاسفتها بالنفي أو الالحاد.
أطرح هذا الموضوع هنا لأنني أقرأ كل يوم نفس تلك التساؤلات حول مغزى الشر ووجوده بهذه الكمية المفرطة، من شباب حائر وعاجز عن فهم ما يجري، في سياق تبريرات دينية من «رجال دين» تتسم معظمها بالسذاجة والبؤس.
فلا توجد إجابات سهلة ولا وصفات بسيطة بالتأكيد، لكن أذكر بأن الفلسفة الوجودية اندثرت ولم يعد لها سوى قيمة تاريخية في الفكر الفلسفي، وأن معظم أطروحاتها الإلحادية تم الرد عليها بحجج فلسفية قوية، والمسألة لا تتعدى بكثير مقالات صحافية.
لكن بأمانة ومسؤولية.. أعتقد أن الخطاب الديني عند معظم رجال الدين لم يعد صالحا لهذا الزمان، فالأسئلة والشكوك في عقول الشباب خاصة، أكبر بكثير من الطيبة الساذجة والمصطنعة أحيانا التي يحاول بعض «المشايخ» الظهور بها، ظنا منهم أنها تفعل شيئا. صدقوني، انها لا تفيد بل تضر، ولا تعولوا على صمت الناس ومجاراتهم لكم، فهو صمت المحبط اليائس لا أكثر!
[email protected]