محمد هلال الخالدي
الهولوكوست عملية إبادة وتصفية جماعية ووحشية بكل المقاييس قام بها الحزب الاشتراكي الوطني الألماني بزعامة هتلر ضد اليهود لأنه كان يعتقد أن اليهود أخطر الكائنات على البشرية وأكثرهم شرا وفسادا وكان يسميهم unter menschen، أي ما دون البشرية، وعندما نتحدث عن هتلر وحزبه النازي فإننا نتحدث عن الغرب الأوروبي المسيحي بالتأكيد، والقتل الوحشي والتعذيب كان ضد اليهود لأنهم خطر على البشرية، فما مصلحتنا نحن العرب والمسلمين من إنكار هذه الإبادة وهي لا تقول أكثر من أن الغرب الأوروبي المسيحي قتل وعذب وشرد اليهود الأشرار، فهل نريد أن ندافع عن هتلر والنازية والغرب المسيحي مثلا أم أننا نريد أن نقول إن اليهود لم يستحقوا هذا التنكيل من هتلر ورفاقه؟ بحسب ما أعرف فان هناك عداء بين الدول الإسلامية والغرب المسيحي من جهة ومع اليهود بشكل أكبر من جهة ثانية وبالتالي يفترض ـ منطقيا ـ أن يروج المسلمون والعرب أكثر من غيرهم تلك الجريمة الغربية الأوروبية ضد اليهود، لنتأمل على سبيل المثال بعض ما قاله هتلر عن اليهود ليبرر حربه ضدهم، قال هتلر «اليهود هم أسياد الكلام وأسياد الكذب، إنهم جنس حقير وعدو للجنس البشري وسبب كل ما ألم بالبشرية من معاناة، ولو تمكنوا من حكم العالم فسيفسدونه، ولذلك عاهدت الله وعاهدت الشعب أن أخلص البشرية من هذا الجنس الحقير». هكذا كان يرى الغرب الأوروبي اليهود وهذه بالمناسبة لم تكن نظرة شخصية من هتلر فحسب، بل كانت نظرة غالبية المسيحيين قبل تمكن اليهود من استصدار «صك الغفران» لهم من البابا ويكفي أن نتذكر خطاب الرئيس الأميركي فرانكلين خلال وضع الدستور الأميركي وتحذيره من اليهود ووصفه لهم بأنهم «طفيليات يعيشون بين المسيحيين ليدمروا العالم». غير أن ما يحدث هو أننا أصبحنا نردد دون وعي مع من يردد إنكار حدوث الهولوكوست والمحرقة وتعذيب اليهود، والسبب واضح وهو أن الكيان الصهيوني استثمر هذه القضية لاستعطاف الولايات المتحدة وحلفائها بعد سقوط برلين وانتحار هتلر، فما كان منا إلا أن ننكر الهولوكوست وكأن إنكارها يعني قطع الطريق على الصهاينة قبل أن «يكسروا خاطر» الأميركان والانجليز ويكسبوا ودهم ودعمهم، بهذه السذاجة يعمل العقل العربي المبدع!
الهولوكوست حقيقة تاريخية حدثت فعلا وتم خلالها تعذيب ملايين اليهود وقتلهم بأبشع وسائل التعذيب والقتل وحشية ودموية، وغرف الغاز التي كان أتباع هتلر يحرقون فيها اليهود لاتزال آثارها شاخصة حتى اليوم في پولندا وألمانيا والنمسا، وهذا دليل واضح على وحشية القاتل الذي يحاول أن يعطي العالم اليوم دروسا في الإنسانية ويصنف الدول إلى دول إرهابية ودول معتدلة، صحيح ان الغرب تغير بعد سقوط جدار برلين وتجاوز هذه التجربة القاسية، ولكن هذا تاريخهم وعليهم أن يعرفوه قبل أن يتحدثوا عن تاريخ الآخرين. فلماذا ننكر نحن هذا التاريخ الأسود الذي يدل على وحشية القاتل وخبث المقتول، كان حريا بنا أن ندافع عن حقيقة الهولوكوست ونوضح للعالم أجمع حقيقة الغرب وحقيقة اليهود على مر التاريخ، وأن نسأل لماذا قتل هتلر اليهود بالذات وحرقهم في غرف الغاز واقتلع أعينهم وأسنانهم وهم أحياء وجعلهم «فئرانا للتجارب الطبية» بكل هذه القسوة والوحشية؟ فالمشكلة ليست في المسلمين والعرب الذين يعادون اليهود، مع أن من حقهم أن يفعلوا ذلك لأن الصهاينة يحتلون أرضهم ويدنسون مقدساتهم، المشكلة في اليهود أنفسهم الذين لا عهد لهم ولا أمان وهي حقيقة تاريخية مؤكدة ويعرفها حتى الغرب المسيحي الذي قام بقتلهم والتنكيل بهم أبشع تنكيل، ومع هذا تجدنا ننكر بكل سذاجة وسطحية تلك المحارق وكأننا نريد أن نقول إن هتلر الزعيم الأوروبي الغربي المسيحي لم يكن سفاحا ومجرما واليهود لم يستحقوا ذلك التعذيب والقتل الجماعي.
لست على أي حال من دعاة القتل وتعذيب البشر حتى إن كانوا من الصهاينة، فهم لصوص اغتصبوا أرضا ليست لهم، فإما أن نقاتلهم قتال الفرسان وإما أن «نخرس» خرس الجبناء كما نفعل اليوم، ولكنني أستغرب من العقلية والمنطق الذي يسير عليه العقل العربي، ذلك العقل الذي على ما يبدو لا يسير على منطق معقول بقدر ما «يتدحرج» حسب الريح.