محمد هلال الخالدي
كنت أتحدث قبل يومين مع أحد الأصدقاء وهو طبيب من أعضاء هيئة التدريس، رجل أكاديمي وعالم في مجاله بالتأكيد، جرنا الحديث إلى هذا المرض المزعج في كل شي، ابتداء من اسمه وانتهاء بالمصير الذي يؤدي إليه، ومن ضمن ما قاله صديقي الطبيب إن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الضحايا لهذا الڤيروس الفتاك، خاصة مع بداية دخول فصل الشتاء حيث تنشط الڤيروسات عموما.
وأضاف أنه يعيش حالة قلق وفزع كلما فكر في موضوع الدراسة وتجمع مئات الطلبة في أماكن الدراسة المغلقة والتي ستكون بمثابة بيئة خطرة لانتشار المرض لا سمح الله، فأي إصابة بهذا الڤيروس لأحد الطلبة ستعني حتما تعريض كل من معه في الفصل أو المدرسة أو الجامعة للإصابة، وهذا أمر خطير ينبغي التعامل معه بكثير من الحذر والحرص، فالمسألة تتعلق بحياة الناس وأرواحهم، خاصة أن العالم لم يكتشف حتى الآن أي مضادات لهذا الڤيروس الخطير، بل حتى الدواء الوحيد المتوافر لعلاج المصابين بإنفلونزا الخنازير وهو «تاميفلو» أثبتت بعض الدراسات الحديثة التي نشرت في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها عدم جدواه مع بعض المرضى، حيث سجلت عدة حالات وفاة لمصابين برغم تناولهم للتاميفلو، وهذا يعني أن الڤيروس ربما بدأ عملية «تحول» ومقاومة لمفعول الدواء كما أكد صاحبنا الطبيب.
لا شك أن قرار وقف الدراسة أو تأجيلها ليس سهلا، إذ أنه يتعلق بمستقبل آلاف الطلبة وأسرهم من جهة وبحياتهم وصحتهم من جهة أخرى، وهذا يتطلب بالتأكيد مناقشة الموضوع بكثير من الحرص والعقلانية فالمفاضلة هنا بين المستقبل الدراسي والحياة، ولذلك نتمنى من نواب الأمة وأعضاء الحكومة أن يعقدوا «هدنة» مؤقتة للصراع السياسي «السخيف» الدائر بينهـم، على الأقل في هذا الموضــوع الخطير، فالمسألة لا تحتمل المكابرة أو التكسب الشخصـــي واستغلال حياة البشر فــــي تلك المناورات والألاعيــــب السياسية التي شلت البلاد وعطـــلت مصالـــح العبــــاد.
ليتصارعوا على انقطاع الكهرباء أو القوانين الرياضية أو اللوحات الإعلانية «أم خمس ملايين» كما يشاءون أما مسألة تعطيل الدراسة وإجراءات حماية أبنائنا والعاملين في المدارس والجامعات فهي «خط أحمر»، أو هكذا ينبغي أن تكون ولا يجوز تعريض حياة الناس للخطر لمجرد الاستمرار بالعناد و«الصراع» السياسي المزمن.
نسمع ونقرأ كل يوم تصريحات بعض المسؤولين في وزارتي التربية والصحة حول الإجـــراءات التي ستتخذ للوقاية من هذا الڤيروس في العام الدراسي الجديد، ولكننا لا نعرف بالتحديد ما هي هـــذه الإجراءات ومدى فاعليتها حتى الآن، وهذا تلاعب خطير بأرواح الناس لا يمكن القبول به، خاصة أننا أصبحنــــا لا نثق بتصريحات كثير من مسؤولي الدولة، وبشـــكل خاص في وزارة التربية التي تتكرر فيها نفس المــشكـــلات من نـقـص للكتب والمعلمين كل عام، كما أنها عجـــزت حتى الآن عن الوفاء بتعهداتها في توفير الوجبــــات الغــــذائيـــة للطلبة في رياض الأطفـــال رغم مرور عامين، فكيـــف نثق بهم في معالجة هذه المشكلة العالمية العويصـــة إذا كانوا غير قادرين على توفير قطعة بسكويـــــت؟!