القانون في ألمانيا يعطي الناشر حق امتلاك الحقوق الفكرية لمدة سبعين عاما فقط، بعد ذلك تصبح الكتب مشاعا من حق أي دار نشر إعادة طباعتها وبيعها. هذا القانون - ذو الرائحة الاشتراكية الجميلة - ينطلق من فلسفة إنسانية مفادها أن الكتاب حق لجميع الناس بعد أن يستفيد منه صاحبه وناشره لفترة من الزمن، وهم يرون أن سبعين سنة كافية وعادلة لتحقيق مكاسب جيدة ثم بعد ذلك تحرر الكتب للناس.
كانت الأمور على ما يرام، إلا أنه مؤخرا اصطدم المجتمع الألماني مع كتاب «كفاحي» mein kampf لأدولف هتلر، والذي كتبه خلال فترة حبسه في سجن ميونيخ قبل وصوله للسلطة، إذ من المقرر أن تنتهي حقوق ملكيته التي تملكها ولاية بافاريا مع بداية يناير 2016 (أي بعد أيام قليلة)، فانقسم الألمان بين مؤيد ومعارض لإعادة طبع وتوزيع هذا الكتاب الذي لا يختلفون على خطورته وخطيئة مؤلفه في حق ألمانيا والعالم.
شاهدت في التلفزيون الألماني «دويتشه فيلله» تقريرا حول هذا الموضوع، استمعت لسيدة تقول بحزن انها لا تستطيع أن تتفهم فكرة السماح بنشر هذا الكتاب الخطير، واستمعت لنائبة في البرلمان (بوندشتاغ) وهي تدافع عن فكرة السماح بنشره وتؤكد أن الكتاب متوافر في الانترنت ولا يمكن منع الألمان من قراءته، وأنه من الأفضل تقديمه لهم مع نقد علمي وموضوعي يوضح مواطن الخطر والأكاذيب والدعاية وغيرها.. الأكيد أن معظم دور النشر الألمانية قد استعدت لهذا الحدث الكبير، وقامت بالفعل بطباعة ملايين النسخ. الغريب، أنني قرأت كتاب «كفاحي» قبل 25 سنة بالمصادفة، وبسببه أحببت ألمانيا!
****
كتب الجواهري:
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع،
وأشكو الليالي لو لشكواي تسمع،
أكل زماني فيك هم ولوعة،
وكل نصيبي منك قلب مروع؟!
****
«قطاع الطرق في الليل، هم تجار المدينة في النهار!»
تشارلز ديكينز - قصة مدينتين
****
أتذكر في بداية التسعينيات من القرن الماضي (أكره هذه العبارة.. من القرن الماضي، تشعرني وكأنني ديناصور !) مع دخولي للجامعة، أدمنت قراءة «أدب الحروب»، والحرب العالمية الثانية بشكل خاص، كنت «أفهمها»، أما الآن.. فـ«أشعر» بها وأعيش آلامها وبؤسها وشقاءها.. ويح الذكريات.
[email protected]