آنا ماري شيميل مستشرقة ألمانية عاشت سنين طويلة من عمرها في تركيا وبلدان عربية، كانت منذ طفولتها شغوفة بكل ما هو روحاني، أحبت الشرق، وأعجبها التراث الصوفي الإسلامي كثيرا، لدرجة أنها تعلمت اللغة العربية والتاريخ الاسلامي وهي في سن الخامسة عشرة، وتخصصت بعد ذلك في الأديان الشرقية لتقرأ كتابات ابن عربي وأبو بكر الشبلي وأبو يزيد البسطامي والفضيل بن عياض ورابعة العدوية وغيرهم من أعلام التصوف. لها انتاج علمي غزير معظمه ترجمات من العربية والتركية لأهم الكتب إلى اللغة الألمانية، أهمها مقدمة ابن خلدون والكثير من قصائد المبدع بدر شاكر السياب. حين حضرها الموت، أوصت بأن يكتب على شاهد قبرها مقولة سهل التستري بالعربية والألمانية «الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا»
(die menschen schlafen، und wenn sie sterben، erwachen sie).
***
لماذا انطلقت الثورة الكبرى في فرنسا عام 1789 م دون غيرها من دول أوروبا؟ بالتأكيد هناك عدة أسباب وعوامل، لكن من المهم جدا فهم مستوى الحريات في تلك البلدان قبل اندلاع الثورة. كانت ألمانيا وهولندا مثلا من أكثر الدول انفتاحا وتسامحا، في حين كانت فرنسا من أكثر الدول تشددا وتضييقا للحريات، كانت فرنسا الوحيدة من بين دول أوروبا آنذاك التي تمسكت بكل تشدد بـ «قائمة الكتب الممنوعة» (باللاتيني: index librorum prohibitorum) التي كانت تنشرها الكنيسة بين فترة وأخرى منذ بدايات العصور الوسطى المسيحية. هذا مؤشر مهم حول ارتباط مستوى الحريات بقيام الثورات، و«الذي لا يعرف التاريخ، محكوم عليه بتكراره» كما يقول ماركس!
***
من جاسوس صغير يكتب تقارير أمنية عن زملائه في أحد مقاهي ميونيخ، إلى زعيم الحزب الاشتراكي الوطني الذي نشأ حديثا آنذاك، هكذا قفز هتلر بسبب قدرته «الفائقة» على الخطابة التي كان يسحر بها الجماهير المتعطشة للنصر والانتقام من فرنسا، استمعت لكثير من تلك الخطب الحماسية وأعجب كل العجب كيف كان يحركهم بمثل هذا الكلام السخيف والساذج، لكن وكما كان هتلر نفسه يقول: «الحشود أنثوية وغبية، تحركها بالحقد، وتسيطر عليها بالعواطف». في إحدى خطبه «الحماسية» وقف على منصة وتحته ملايين الشباب وقال وهو يلوح بيديه بحركات عنيفة: «الألماني يجب أن يكون سريعا مثل الأرنب، ورشيقا مثل النمر، وقويا مثل قضيب من الفولاذ..» وإذا بالجموع تصرخ وتهتف بكل قوة وحماس «هايل هتلر.. هايل هتلر» (عاش هتلر).
تأملوا فيما يحرك الجماهير العربية اليوم، ما هو الخطاب السائد في معظم الدول العربية لفهم كيف يحشد «داعش» وحزب الله وأمثالهما جموع الشباب وتحرق بهم الأخضر واليابس. ليس العقيدة وليس الدين كله أصلا، وإنما بالحقد والانتقام.
***
كتب السياب:
ونحن في بغداد من طين
يعجنه الخزاف تمثالا
دنيا كأحلام المجانين
ونحن ألوان على لجها المرتج
أشلاء وأوصالا..
[email protected]