محمد هلال الخالدي
أكثر من 150 أسرة كويتية وجدت نفسها بين ليلة وضحاها في وضع مأساوي مرعب، فالموت بالحريق ليس أمرا هينا، ولكن ما هو أسوأ منه أن تعجز مستشفياتنا عن استيعاب 40 حالة، فماذا سنفعل لو تعرضت البلاد، لا سمح الله، لوباء أو حادث كبير، أين هي تلك الخطط التي تتحدث عنها الحكومة وأين هي الاستعدادات ومستشفياتنا لا تستطيع أن تستقبل ضحايا حادث سيارة؟
حريق «عرس العيون» فضح الحكومة وفضح حديثها المتكرر عن خطط الطوارئ والاستعدادات للكوارث، وفي ظل هذه الفوضى والقصور علينا أن نفرق بين استعدادات الحكومة وجهود المخلصين من الأطباء والهيئة التمريضية ورجال الأمن والإطفاء وغيرهم من العاملين في أجهزة الدولة. كنت من متابعي حريق الجهراء وشاركت زملائي في «الأنباء» في تغطية هذا الحدث المأساوي الكبير، وشاهدت عن قرب تلك الجهود المخلصة لرجال الأمن والإطفاء والممرضين والأطباء والمسعفين، وهي شهادة حق لابد أن نقولها في حق هؤلاء الذين بذلوا أقصى ما يمكنهم لإنقاذ الأرواح، والمشكلة ليست فيهم فقد تصرفوا بحسب الإمكانيات والظروف المتاحة، فما ذنب الأطباء إذا كانت القدرة الاستيعابية لمستشفى الجهراء لا تحتمل هذا العدد، وما ذنب المسعفين إذا كانت سيارات الإسعاف المتوافرة بهذا العدد القليل؟؟ المشكلة ليست في هؤلاء العاملين، المشكلة عند الحكومة التي تسيطر على ثروة الشعب ولا تعرف كيف تدير هذه الثروة لتوفير متطلبات الحياة الكريمة والآمنة لهم، المشكلة في حكومة تملك المال والسلطة والجهاز التنفيذي والتشريعات القانونية وآلاف الناس يدفعونها دفعا للفعل والإنجاز ومع ذلك تقف كجثة هامدة بلا حراك ولا إنجاز. فمن باب الإنصاف ألا يهاجم المخلصون من الأطباء ورجال الأمن والإطفاء بسبب تقاعس الحكومة عن دورها في توفير متطلبات العمل لهم، ومن باب الإنصاف أيضا ألا يلقى باللوم كله على هذه الحكومة فقط، فالمشكلة قديمة وشكاوى الناس من تردي الأوضاع وسوء الخدمات وقلة الإمكانات ليست جديدة، فحركة البناء الحقيقي توقفت في الكويت منذ الثمانينيات، ومعظم مستشفياتنا المتهالكة بنيت في تلك الفترة، ولم تفعل الحكومات المتعاقبة أي شيء لمواكبة التطور السكاني والعمراني خلال هذه السنين، فماذا تتوقعون إذن عندما ينشب حريق أو ينتشر وباء لا سمح الله، أن يستوعب مستشفى الجهراء أكثر من طاقته؟
خالص العزاء لأهالي الضحايا ولأهل الكويت عموما، فالمصاب أصاب الجميع بالحزن والألم والحسرة، ودعاؤنا للعلي القدير أن يقبل الضحايا برحمته وواسع مغفرته شهداء عنده، وأن يلهم أهلهم الصبر والسلوان، وأن يلهم حكومتنا الرشد والبصيرة، فإن لم يحرك موت الأطفال والنساء بهذه الصورة البشعة شعورهم بالمسؤولية وحجم التقصير، فلن ننتظر منهم أي شيء، ولا ينتظروا هم أيضا منا أي تقدير.
[email protected]