محمد الخالدي
يقوم النظام الديموقراطي على أساس المشاركة الشعبية في صنع القرار، وهو أمر أصبح يتم في البرلمانات حيث يتم التصويت على الاقتراحات المقدمة لتمضي إرادة الأكثرية، وهذا النظام يعتمد بشكل أساسي على مناقشة الاقتراحات ودراستها ومن ثم التصويت عليها، وهنا نكون في الخطوة رقم واحد، وعندما يتم الانتهاء من التصويت على قانون ما واعتماده تتحول الجهود التي كانت تعارضه أو التي كانت تؤيده إلى جهد واحد ومشترك لدعمه وضمان تنفيذه ونجاحه، وهنا ندخل في الخطوة رقم 2 حيث تبدأ عملية متابعة القانون الجديد ورصد نتائجه وآثاره على المجتمع ومصلحة الدولة.
مشكلتنا في الكويت تكمن في الخطوة رقم 2، فنحن أفضل من يخطط ويقترح ويتكتك، فليس لدينا مشكلة في الخطوة الأولى، ولكن ما أن يتم التصويت على قانون ما ويعتمد حتى تبدأ جهود المعارضين لإفشاله بدلا من دعمه ومحاولة الاستفادة منه كما يحدث في بلاد الله الواسعة، بل تتحول المسألة إلى عناد وصراع شخصي، وتبدأ عملية الانتقام من الحكومة إذا كان الاقتراح صادرا منها أو من المجلس إذا كان هو صاحب الاقتراح، تصبح المسألة شخصية جدا لدرجة التهديد بإسقاط الوزير أو افشال العضو في الانتخابات، أما القانون ذاته فلا أحد يهتم به أو يكترث، لم تعد المسألة تتعلق بنتائج القانون الجديد وآثاره السلبية أو الإيجابية، بل بتكسير الرؤوس والانتصار الوهمي في صراع وهمي.
مشكلتنا تكمن في الخطوة رقم 2 حيث تسود عقلية الانتقام، وتترعرع مفاهيم الحسد الرخيص. عندما دعا الرئيس السابق للولايات المتحدة بوش الابن إلى شن الحرب على نظام صدام حسين عارضه من عارضه في الكونجرس، ولكن ما أن تم التصويت على قرار الحرب حتى تحول الجميع إلى مؤيدين ووقفوا جميعا وراء رئيسهم، ليس حبا فيه ولا بقراره، ولكن نزولا عند رغبة الأكثرية، فهكذا يسير النظام الديموقراطي، حتى وإن اعتقد الأقلية بأن القرار خاطئ، فالمسألة تحولت الآن من المناقشة والتصويت إلى العمل والإنجاز ومن غير المعقول أن تستمر عملية الصراع على إبطال القرار أو القانون بعد إقراره وإلا فما فائدة البرلمان وجلسات التصويت إذا كنا لا نقبل بنتائجها؟
قد يقول قائل بأن قرار الأكثرية ليس بالضرورة على صواب دائما، وهناك احتمال كبير أن يكون القانون الذي يعتمد قانونا خاطئا ولا يخدم المجتمع بل يضر بمصالح البلاد والعباد، وهذا أمر صحيح وممكن بالتأكيد، فهو جهد بشري تشوبه النواقص والمصالح من كل ناحية، ولكن هناك أيضا وسائل سليمة يوفرها النظام الديموقراطي أيضا، ومنها تقييم نتائج القرار بعد تطبيقه من قبل المختصين (مؤسسات المجتمع المدني بشكل خاص)، ومن ثم تقديم تقارير موضوعية حول الآثار السلبية لهذا القرار وبالتالي إعادة التصويت عليه مرة أخرى فإما أن يلغى أو يعدل بنفس الطريقة التي اعتمد فيها أول مرة، وهذه هي الطريقة الديموقراطية السليمة التي يفترض أن نعمل من خلالها، فإما أن نقبل بهذا النظام الديموقراطي ونتبع قواعده وأصوله ونحترم رغبة الأكثرية، وإما أن نكف عن الادعاء بأننا ديموقراطيين ونتوقف عن التباهي بهذه الديموقراطية «الديكتاتورية».
[email protected]