محمد هلال الخالدي
كنت صغيرا أجلس في مقعدي في آخر الفصل، لا أذكر تماما في أي عام لأنني لا أذكر بالتحديد في أي سنة دراسية حدثت هذه الحكاية، ولكنها بالتأكيد كانت في المرحلة الابتدائية، فجأة أشار معلمي بإصبعه الغليظ نحوي وقال بصوت قبيح «اقرأ يابني بصوت عال من بداية السورة»، قرأت بارتباك، أذكر جيدا ماذا قرأت، (هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم). قال معلمي «بس، أوقف هنا.. عارفين يا ولاد ليه ربنا قال (هو الله) ولم يقل (أنا الله)؟.. لم يجب أحد منا بالطبع على هذا السؤال الغريب، الغريب على مسامعنا وعلى عقولنا الصغيرة أيضا، وكيف لنا أن نعرف ونحن يزج بنا في هذه المعتقلات التي تسمى عبثا بالمدارس، لتنزع عنا كل قدرة على التفكير، ونتحول إلى مجرد «قطيع» لا يملك إلا أن «يسمع الكلام»!
أكمل معلمي، هااا.. محدش عارف ليه ربنا قال (هو الله) ومقالش (أنا الله)؟ أنا أقولكم.. لأن الله سبحانه وتعالى لو قال (أنا الله) يبقى حنقرأها إحنا إيه؟ (أنا الله).. يعني كل واحد فينا حيقول (أنا الله) وده حراااااااااااااام.. فاهمين؟
كنت أستمع لكلمات معلمي بإنصات غريب، على غير العادة، ولا أدري ما الذي حركني حينها، أي نزغ من الشيطان أصابني وقتها، فقمت وبسرعة أقلب صفحات كتاب التربية الإسلامية بين يدي، أفتش وأفتش عن شيء وكأنني أعرفه، أسابق الثواني للوصول إليه.. وبالفعل وصلت، ولست أدري كيف؟ رفعت يدي وقلت لمعلمي «ولكن يا أستاذ في هذه الآية مكتوب (أنا الله) وهي في القرآن أيضا. سدد المعلم إلي نظرة يتطاير منها النار والغضب، وصرخ علي بصوت مرعب «اخرس يا كلب».
خرست، غير أن الشيطان في رأسي لم يخرس، أعلم ذلك جيدا بيني وبين نفسي، فمنذ ذلك الحين وأنا أشعر به وهو يعبث في رأسي.
ما أبشع القسوة في تعليم الدين، وما أبعد مدارسنا عن الرفق واللين. ما زلت أذكر من بين كل المعلمين الذين درسوني منذ الابتدائية إلى الثانوية فقط أولئك القساة، ولست أذكر منهم سوى عنفهم وتعنيفهم وغضبهم الجامح بلا سبب. قال أينشتاين «التعليم هو ما يتبقى للمرء بعد أن يترك المدارس».
[email protected]