محمد هلال الخالدي
من بين جميع الدول التي زرتها وعشت فيها تبقى أميركا من أكثر هذه الدول تأثيرا في نفسي، ليس لجمال الطبيعة أو العمران فحسب، وإنما لثقافة شعبها الجميل. لا نحتاج إلى التأكيد على عدم التعميم بالطبع، فكل شعب فيه ما فيه من الاستثناءات. في عام 1997 ذهبت لأول مرة إلى الولايات المتحدة لدراسة اللغة في مدينة سياتل بولاية واشنطن، كنت خائفا وأتخيل أنني سأقتل هناك «وأروح فطيس» بلا سبب، ربما كان ذلك بتأثير من «هوليوود».
كانت ثقافة الشعب الأميركي هي أكثر ما أذهلني هناك، إذ لم أر شعبا بهذا الذوق والاحترام للآخر، تواصلهم الإنساني في الأماكن العامة يجبرك على أن تتوقف مع ذاتك. عشت في البداية مع عائلة أميركية من أصل مكسيكي، ثم طلبت من إدارة الجامعة تغيير العائلة لأنهم كانوا يتحدثون طوال الوقت باللغة الاسبانية وهو أمر لا يتناسب مع هدفي من العيش معهم. تركت العائلة المكسيكية وانتقلت للعيش مع عائلة أخرى، وبعد أسبوعين تقريبا جاء رب الأسرة للجامعة للاطمئنان على أحوالي.
كنت ألاحظ الجميع وهم يتصرفون بمنتهى الذوق والإنسانية، يحترمونك ويحترمون معتقداتك مهما كانت، فلو قلت لهم انك تقدس قطعة حجر فستراهم مباشرة يتصرفون مع كل الأحجار أمامك بكل احترام حتى لا يجرحوا مشاعرك ويهينوا مقدساتك.
كنت أظن أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد غيرت من طبيعتهم الخيرة تلك، وقبل أيام شاهدت برنامجا تلفزيونيا هو عبارة عن دراسة ميدانية قامت بها إحدى مؤسسات الدراسات الاجتماعية هناك، فكرة البرنامج تشبه إلى حد كبير فكرة برامج الكاميرا الخفية المعروفة.
قام فريق العمل بتركيب عدد من الكاميرات المخفية في محل للتسوق (سوبر ماركت)، وقام أحد أعضاء فريق العمل بأخذ مكان البائع، فيما تقوم اثنتان من نفس الفريق من الأميركيات من أصل عربي يرتدين الحجاب بالتسوق.
هدف الدراسة كان رصد مدى التغير الذي أصاب المجتمع الأميركي ونظرتهم للعرب والمسلمين بعد تلك الأحداث وما صاحبها من زخم إعلامي ضد العرب والمسلمين.
بدأت الكاميرا ترصد ردود أفعال المواطنين الأميركان وهم يشاهدون البائع وهو يوجه كلاما قاسيا للفتيات المسلمات ويسخر من حجابهن ويتهمهن بالإرهاب، فماذا تتوقعون النتيجة؟ 98% من الناس الذين تواجدوا في ذلك المحل وشاهدوا تصرف البائع مع الفتيات قاموا بردة فعل عنيفة ضد البائع، كانوا يلقون ما بأيديهم عليه، ويصرخون في وجهه ويصفونه بالعنصري البغيض، ويقولون انهم سيقاطعون هذا المحل، علما بأن الدراسة جرت لأشهر وتم تسجيل مواقف أكثر من 3 آلاف شخص. هل نتصرف نحن مع الأجانب بهذه الطريقة، هل ندافع عن وافد مسكين عندما يتعرض للاضطهاد والظلم في بلداننا؟
[email protected]