[email protected]
تعلمت من الألمان الجدية وصرامة الرأي عندما يتعلق الأمر بالعلم والأدب، ربما نتساهل في المجاملة حول شخص يسألنا رأينا في طبق طعام أو أغنية أو تسريحة شعر.. لكن لا تصح المجاملة في عمل أدبي أو علمي، ولا تجوز حول كتاب يحتل مساحة في أرفف المكتبات.
***
سعدت جدا بقراءة رواية الزميل العزيز محمد الحسيني «الأرواح تتبادل القُبل»، بما تحمله من مضامين على قدر كبير من الالتزام والتنوع، فيها من المشاعر الإنسانية الشيء الكثير، ومن الثقافة العامة والمعلومات الطبية بتفاصيل دقيقة ما يثير الإعجاب. يطوف بنا المؤلف حول ثقافات عالمية متشعبة، في ترابط سلس، ويتنقل - ويجعل القارئ يتنقل معه - بين مختلف المشاعر الإنسانية مع بطلة الرواية المريضة بالسرطان.. عمل متقن يستحق القراءة بالتأكيد.
***
ليس من السهل أن نتعاطف اليوم مع مأساة فتاة في شخصية افتراضية في رواية، تصارع المرض وتتقلب بين اليأس من الشفاء والتشبث بالحياة.. صعب جدا أن نتعاطف اليوم مع آلام فرد حقيقي يتعذب فعلاً، في زمن يُساق فيه البشر أفواجاً إلى النحر والحرق والتجويع وصنوف أخرى من التعذيب والقتل الوحشي يعجز عن تخيُّلها حتى الشيطان نفسه، لكن هذا ما يحدث مع بطلتنا المسكينة، هذا ما حدث معي على الأقل وأنا أقرأ وأشعر بآلامها مع حقن «العلاج الكيميائي» ومسكنات الألم ونوبات الغثيان وتساقط الشعر وروائح الأدوية والتعقيم.. ربما لأنني أمضيت جزءا كبيرا من حياتي في المستشفيات، وربما لأن الفتاة المسكينة تحب الفلسفة مثلي.
***
في رواية الأديب الأميركي سكوت بيرغ حول حياة الكاتب جون لوغان يدور الحوار التالي بين الكاتب ومحرر دار النشر الذي يشجعه على الكتابة:
- كان يجب أن أموت عندما كنت بسن الرابعة والعشرين من عمري، مباشرة بعد رواية «هذا الجانب من النعيم».
- هل تسلمت الكتاب الذي أرسلته لك؟
- أي كتاب؟
- «مذكرات الجنرال غرانت». هل تعرف كيف كتبه؟
- يبدو هذا مثيرا للاهتمام.. واصل أرجوك.
- كان يحتضر، كان مصابا بسرطان الحنجرة، وأراد أن يترك شيئا وراءه لعائلته، لهذا بدأ بكتابة سيرته الذاتية، كان يعمل كل يوم لساعات وساعات.. كان يعاني آلاماً كبيرة، ومع هذا واصل الكتابة، وبالنهاية أنتج هذا العمل الرائع.
***
أورد هذا النص الجميل من رواية صاحبنا بيرغ هنا وأترك السبب ليعرفه كل من يقرأ «الأرواح تتبادل القُبل» بعد ذلك.