بين مفهوم الوطنية Nationalism ومفهوم العنصرية Racism منطقة رمادية، تختلط فيها المعاني وتضيع فيها الكثير من الحقوق وتوزع فيها الإساءات للناس بالجملة. هذا الوضع البائس رافق الإنسان منذ نشأة الدولة، فكان دائما ثمة تمييز للمواطن عن بقية السكان.
على أن التمييز لا يقتصر فقط على الحقوق والامتيازات، وإنما يشمل أيضا الواجبات، وهو ما يتم تجاهله- عمدا- غالبا!
> > >
رغم أنني مواطن كويتي إلا أنني لا أستطيع أن أحصل على علاج مجاني في المستشفيات العسكرية، كونها مقتصرة على العسكريين وأنا مدني، فهل في هذا تمييز عنصري؟ كلا بالتأكيد، فهذه خدمة إضافية تقدمها المؤسسة العسكرية لمنتسبيها، مثلها مثل كثير من مؤسسات الدولة التي تقدم خدمات إضافية لمنتسبيها كشركات النفط والطيران وجامعة الكويت وغيرها.
باختصار.. هناك حقوق للمواطن في بلده أكثر من حقوق بقية السكان في جميع دول العالم، هذا الوضع طبيعي جدا، لكنه لا يبرر بالتأكيد الإساءة للوافدين أو المقيمين وغيرها من التسميات، ويجب ألا يسمح بالتعسف ضد حقوقهم والتجاوز على كراماتهم.
المسألة هنا تتعلق بتحديد نطاق الحقوق، ونحن لا نحتاج لاختراع العجلة والبدء من الصفر في هذا الأمر، فالكويت دولة عضو في الأمم المتحدة ولديها التزاماتها الدولية حسب معاهدات حقوق الإنسان التي تتحدث عن حق التعليم والعلاج وحرية التنقل وغيرها.
هذا لا يعني أن تكون هذه الخدمات مجانية بالضرورة، وبالتالي فتخصيص مستشفى حكومي يقدم خدماته المجانية حصرا للمواطنين لا يمثل انتهاكا لحقوق غير المواطنين بالتأكيد، فهو ميزة إضافية تنسجم مع نصوص الدستور التي تفرض على الحكومة توفير الرعاية الصحية المجانية للمواطن، دون الإخلال بحقوق غير المواطن الذي تبقى أمامه بقية المستشفيات الحكومية مفتوحة إضافة للمستشفيات الخاصة، وهو واقع موجود في كل دول العالم ولا يمثل أي تمييز عنصري بلا شك.
> > >
للمواطن في بلده حقوق أكثر لأن عليه التزامات وواجبات تجاه بلده ليست على الوافد، أهمها واجب الدفاع عن البلد والموت من أجله.. لا أحد ممن يستكثر تخصيص مستشفى حكومي للمواطنين يطالب الوافدين بالدفاع عن البلد لأن هذا واجب على المواطن وليس الوافد. هنا نتحدث عن مفاهيم الوطنية التي يجهلها كثير ممن يحاولون لعب دور مالكوم اكس ومارتن لوثر كنج بسذاجة!
> > >
كنت أتمنى لو كانت هذه «الفزعة المضرية» ضد تخصيص مستشفى جابر للكويتيين لتكون ضد نظام الكفيل الذي يمثل نظام سخرة ظالم، وضد حجز جوازات سفر العاملين الذي ينتهك حق الوافد كإنسان في حرية التنقل، وضد حرمان مئات الآلاف من «البدون» من حق العمل والعيش بكرامة.. وغيرها من الانتهاكات الحقيقية والتقصير الواضح والفساد الفاحش الذي تضاعف في البلاد، وليس ضد قيام الحكومة بواجبها الدستوري تجاه المواطن من خلال توفير رعاية طبية له. من يرى أن هذه الخدمة تمييز عنصري، فعليه إذن أن يشرح لنا: هل تقديم الدولة الدعم الغذائي (التموين) للمواطن دون الوافد عنصرية أيضا؟ لماذا لا ترسله في رحلة علاج بالخارج مثل المواطن إذن؟ ولماذا لا تعطيه قرض زواج، ولا تمنحه بعثة دراسية وسكن.. الخ؟
> > >
الوافد مواطن بلد آخر له فيها حقوق وعليه واجبات، وهم شركاء في بناء الدولة وأصحاب فضل علينا لا شك في ذلك، ونحن ضد كل أشكال التمييز العنصري وضد كل تعسف وظلم يرتكب في حق أي إنسان، على أن ذلك يجب ألا يجعلنا نخجل من المطالبة بمزيد من الامتيازات الإضافية لنا كمواطنين، لنا في ثروات بلدنا حقوق.
[email protected]