ولد كارل ماركس لأسرة يهودية في مدينة ترير بألمانيا، كان والده تاجرا ناجحا، لكنه اضطر للانتقال إلى مدينة أخرى يسيطر عليها أعضاء الكنيسة اللوثرية، ولضمان استمرار أعماله، قرر والده التحول للمسيحية والانضمام لهذه الكنيسة، فكان لهذا الموقف تأثير عظيم على عقل الصبي كارل، سيظهر لاحقا بمنزلة العمود الفقري في فلسفته كلها، من خلال تأكيده على أن «العامل الاقتصادي» هو المحرك الأساسي لكل شيء في حياتنا، ليس الدين ولا المثل العليا ولا الأفكار ولا القيم الأخلاقية ولا غيرها، وإنما الاقتصاد، ولذلك رفض ماركس تعريف الإنسان الذي كان سائدا قبله لعصور بأنه «الإنسان العاقل» Homo Sapiens واستبدله بتعريف جديد هو «الإنسان العامل» Homo Faber (باللغة الألمانية يسمى المصنع Fabrik «فابريك»، ومنه اشتق ماركس تعريف الإنسان بأنه الصانع أو العامل لتأكيد البعد الاقتصادي في المسألة كلها)، ولذلك كان يقول «تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام».
الآن.. لو كنا في القرن الثاني للهجرة، حيث الحرية الفكرية مكفولة بوجود المعتزلة والأشاعرة وغيرهما من مدارس الفلسفة التي كانت تناقش كل شيء بلا خوف، لتجرأت على القول بأنني - إلى حد ما - أتفق مع ماركس في هذه النقطة.
***
عند ماركس.. الإنسان في المجتمع الريفي مكتف بذاته، فهو يملك أدواته الخاصة بالإنتاج ويعمل لنفسه ويجني ثمرات جهوده لصالحه هو، في حين أن الفرد في المجتمع الصناعي «مغترب» عن ذاته، يعمل مقابل أجر، ولا يملك شيئا من أدوات الإنتاج ولا من عوائده، واعتبر ماركس هذا التحول من المجتمع الريفي إلى المجتمع الصناعي بمنزلة «عبودية جديدة».
كان هذا التحليل كافيا لتحريك أكبر ثورات التاريخ البشري تأثيرا، أعني الثورة البلشفية التي أطاحت بالقيصر وأقامت المجتمع الاشتراكي الجديد في الاتحاد السوفييتي عام 1917. الآن نفهم لماذا ترتعب الأنظمة القمعية من الأفكار!
***
افترض ماركس أن في المرحلة الشيوعية النهائية (وهي مرحلة متخيلة) سيعمل الأفراد بحسب طاقاتهم، وسيأخذون بحسب حاجاتهم مبدأ: من كل حسب طاقاته، لكل حسب حاجاته (حرفيا هذا النص كتبه لينين، لكنه كتبه بروح وفكر ماركس). تلك المرحلة الخيالية (يوتوبيا) التي كان «يحلم» بها ماركس عرفها المسلمون واقعا حقيقيا لسنوات عدة، خاصة في حكم الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، حيث كان المنادي ينادي بتوزيع المال، ولا يتقدم سوى المحتاج حقا.
***
يرى ماركس أن المجتمعات الرأسمالية في جوهرها مبنية على أساس المكتسبات الاقتصادية، التي هي في يد الطبقة المسيطرة، وأن القيم العليا والمنظومة الأخلاقية والدينية والقانونية كلها محتكرة بيد الطبقة المسيطرة تسخّرها لخدمة مصالحها، فعلى مر التاريخ كان القانون مجرد وسيلة سيطرة وتحكم بيد الرأسماليين، فالقانون دائما يساند الغني ويحرم الفقير، يدعم الرأسمالي ويسحق العامل، وأما الصورة الجميلة التي تعرضها وسائل الإعلام عن عدالة القانون بتصويرها كسيدة بريئة ومعصوبة العينين أو ميزان متساوي الكفتين فما هو إلا خداع وتضليل (طبعا هو يضيف لانتقاد القانون انتقادا آخر.. لكن أيضا لا أجرؤ على ذكره لأننا لسنا في القرن الثاني للهجرة)!
[email protected]