خدمت في وزارة التربية 24 عاما، وأعرف جيدا بالممارسة والخبرة أين الخلل وأسباب انحدار التعليم في الكويت، والتي لا يمكن ردها لسبب واحد بالتأكيد، لكن أستطيع أن أقول إن النسبة الكبرى من الخلل يتحملها المسؤولون الكبار في الوزارة، ممن هدموا بشكل مستمر ومتواصل كل أركان النجاح، وقد شهدت هذا بنفسي وعانيت منه كطالب ثم معلم ثم رئيس قسم ثم موجه فني.. وولي أمر.
***
أحد أكبر أسباب فشل التعليم في الكويت هو ارتجالية القرارات التي يتخذها كثير من المسؤولين بلا أساس علمي أو مهني، وإنما هكذا.. فقط لأنه «مسؤول» ويحتل منصبا ويملك صلاحيات إصدار قرارات، فإنه يريد أن «يستمتع» بهذه السلطة والصلاحيات ويصدر قرارات حتى لو تعارضت مع مصلحة النظام التعليمي وتوصيات اللجان المختصة.. هذا واقع موجود، وعندما جاء المركز الوطني لتطوير التعليم بمرسوم أميري عام 2006 ليحل هذه المشكلة ويجعل القرارات التربوية تصدر من مختصين فقط في مؤتمرات علمية، قامت وزيرة التربية آنذاك السيدة نورية الصبيح بهدم هذا الإنجاز الكبير وإلغاء صلاحية المركز وتعطيل عمله، فقط لأنه من إنجازات د.عادل الطبطبائي الذي رفض إبقاءها بمنصبها كوكيل مساعد للتعليم العام عندما كان وزيرا للتربية.. خلاف شخصي تم تصفية حساباته على حساب المصلحة الوطنية لا أكثر، ثم يأتي من يتشدق اليوم ويلقي باللوم بكل بساطة على المعلم وعلى الوافد تحديدا وعلى المؤامرات الخارجية وربما على كائنات فضائية أيضا!
***
لا أتفق مع طرح نائبة مجلس الأمة السيدة صفاء الهاشم حين اختزلت كل أسباب فشل التعليم في الكويت في اتهام المعلمين الوافدين من جنسية محددة واعتبرت بكل بساطة أنها تلقت تعليما أفضل لأن جيلها درس على يدي معلمين فلسطينيين. أولا هذا طرح إنشائي لا يستند إلى دراسات علمية، وهنا نعود لنفس المشكلة وهي الارتجالية في التعاطي مع مشاكلنا وقضايانا. ثمة خلل في بعض المعلمين لا شك، لكن ما نسبته، وفي أي المراحل التعليمية، وما هي أسبابه، وما هو دور الجهات المسؤولة عن حل هذه المشكلة، وهل يوجد تدريب مستمر.. الخ؟ هل تملك السيدة صفاء الهاشم إجابات عن هذه الأسئلة؟!
***
سأروي حادثة صغيرة للسيدة صفاء الهاشم وغيرها، فقط لتكوين تصور واضح عن مكمن الخلل، لكي تتمكن بعدها من الحكم بموضوعية في قضية كبيرة بحجم التعليم. في إحدى المدارس الثانوية التي كنت أشرف عليها كموجه فني، كان المدير المساعد يدخل للفصل أثناء الاختبارات ويطرد المعلمين «الوافدين» ويقول للطلاب «افتحوا الكتب وغشوا على راحتكم بسرعة».. أقسم بالله العظيم حصل هذا، لأن ابنه كان ضمن الطلبة، وكلفنا هذا أنا ورئيس القسم ومدير المدرسة 3 سنوات من كتابة التقارير والشكاوى «للمسؤولين» بلا فائدة، ثم بعد 3 سنوات تم نقله من منطقة الفروانية التعليمية إلى منطقة الجهراء التعليمية، ليفسد جيلا آخرا هناك!
هذا خلل منهجي وهيكلي في النظام كله، والذي هدمه أشخاص بلا قيم ولا كفاءة علمية ولا ضمير، فإذا أردتم الإصلاح فأصلحوا النظام الذي يسمح بمثل هذه الممارسات ويسمح بإهانة المعلم وتهديده بالتسفير إذا شد على الطالب ويقتطع من راتبه المتواضع بدل الإيجار ويعدل نظام الدرجات خلال العام الدراسي ويغير اللوائح كل يوم بلا فهم ولا علم.. كونوا منصفين.
[email protected]