لا أدري كيف تسللت الفلسفة الوجودية إلى نفسي، ولماذا سيطرت عليَّ رغم ما فيها من تشاؤم وسواد، ربما لأنها انعكاس لما حولي، الفلسفة الوجودية فلسفة غريبة، أظن أن فيها شيئا من السحر، تصيب كل من يقترب منها في عقله، تسحبه عنوة إلى محرابها، وتقف به عند حافة الجنون، فإما أن ترديه وإما أن يقدر الله له مخرجا فيهرب.
منذ يومين تقريبا كنت أقرأ رواية «الطاعون» للأديب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، كنت أستمع أيضا لصوت فيروز تغني من بعيد «وحدون بيبقوا متل زهر البيلسان»، وكنت أنظر إلى صورة لمنحوتة من أعمال الفنان الكويتي العبقري سامي محمد اسمها «حادث ضد مجهول»، فجأة توقفت، اكتشفت أن هذا «الثلاثي» يمثل وصفة سريعة للجنون، اتصلت بأحد الأصدقاء وجلسنا في احد المقاهي، على أمل أن أتخلص من حالة الإحباط هذه، فجأة بدأ الحديث يتجه ـ إجباريا ـ لأداء الحكومة، فاكتشفت أن الحديث عن حكومتنا يمثل وصفة سريعة للانتحار
لا أدري كيف زرعت في أدمغتنا تلك الفكرة الغريبة، ان جميع أصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين والذين نسميهم «كفارا» كما يسموننا هم بنفس التسمية، بلا أخلاق وكل شيء جائز عندهم، لا أدري إن كانت هذه الفكرة موجودة عند الآخرين من أبناء ثقافتنا العربية ولكنني أعلم أنها موجودة في رأسي منذ كنا صغارا نلعب في الشوارع. كنا نذهب مجموعة من الأولاد إلى مخبز «الحاج جرجس» في ناصية الشارع، هكذا كنا نسمع الخبازين من غرفة الفرن ينادونه، الحاج جرجس، وجرجس هذا رجل صعيدي كبير في السن، ضخم وكرشه ممدود بشكل غريب للأمام، لم نكن نرى أبدا الكرسي الذي كان يجلس عليه لأنه يصبح مثل كرسي الأطفال في الروضة تحت جسمه العملاق. لم نكن نعرف حينها معنى المسيحي ولا اليهودي، فلم نسمع بغير كلمة «كافر» لوصف كل من يخالفنا في الدين، كنا نكره «جرجس» دون سبب واضح، مع أننا كنا نشتري منه الخبز كل يوم.
[email protected]