اتصل بي أحد الأصدقاء الأسبوع الماضي لنذهب معا ونشارك في حملة الاعتراض على الرقابة التي جرت قبل أيام في معرض الكتاب، قلت له ولكنني مع الرقابة، قال ضاحكا «غريب» فقلت: «ما غريب إلا الشيطان»، أنت افترضت أنني ليبرالي، ولأن لديك تصورا مسبقا عن الليبراليين الذين تراهم عادة في كل اعتصام من هذا النوع، اعتقدت أنني كذلك، هذه مشكلة من يصنف الناس في أرفف. أكمل صاحبي ولكن كيف تكون مع الرقابة وهم يمنعون كتبا تسمح بها حتى المملكة العربية السعودية؟ قلت هذا أمر آخر، لو كانت الحملة ضد «التعسف في الرقابة» لذهبت معكم، ولكنكم تنادون بتطرف لا يقل خطورة عن تطرف المتعسفين بالرقابة، فإذا كانت المسألة إما مع هذا الطرف أو ذاك فأنا لست لا معكم ولا معهم، أنا مع الرقابة المسؤولة التي تمنع الضرر ليس أكثر.
إذا كان الجميع ينادي بالحرية المسؤولة، فكيف ينادي البعض بإلغاء الرقابة؟ ثم إن الرقابة ليست مقصورة على بعض الكتب التي تتعارض مع معتقداتنا الدينية، فهناك مئات بل آلاف الكتب التي تحتوي على خطر حقيقي ومدمر، هناك كتب تعلم صناعة القنابل والمتفجرات، وهناك كتب تسب حكام الخليج وتصف شعوب دوله بأبشع الأوصاف دون أن تحمل أي مضمون علمي، وهناك كتب لا يخرج منها قارئها إلا بتعلم الجريمة والبذاءة، هناك كتب تحتوي كمية كبيرة من الدعارة والإباحية، وغيرها من هذه الأمور، فهل تريدون السماح بإدخال كل هذه الكتب السخيفة إلى البلاد بحجة الانفتاح والحرية؟
قد يظن البعض أن الكتاب في النهاية لا يمكن أن يضر، وأن الفكر يعالج بالفكر وليس بالمنع، وهذه كلمة حق يراد بها باطل، صحيح أن الفكر يعالج بالفكر، ولكن منع الكتب الخطرة لا يعني سوى حماية الشباب مما فيها، يكفي أن نعلم أن من قام بتفجير برجي التجارة العالمية قد تعلموا الطيران من خلال الكتب. الفكر المتطرف أيا كان نوعه خطر، وتقديمه للناس هو مخاطرة لا يستهان بها. أتمنى أن يعيد أصحاب هذه الحملات التي تتكرر كل عام ضد الرقابة حساباتهم، وأن يوسعوا أفقهم ولا ينساقوا وراء هذا التفكير السطحي، وليفرقوا في مطالباتهم بين الدعوة إلى وجود رقابة مسؤولة ومنصفة، وبين الانفتاح المتطرف، أن ينظروا للمسألة من مبدأ «لا إفراط ولا تفريط»، والأهم ألا يربطوا المسألة بالدين فقط.
[email protected]