صحيح ان الصحافة الورقية تواجه صعوبات كثيرة أمام وسائل التواصل الاجتماعي، من حيث سرعة تقديم الخبر على الأقل. لكن تبقى للصحافة الورقية ميزة المصداقية وهي الأهم، فالأخبار كثيرة في «تويتر» مثلا، لكن لا أحد يصدقها إلا بعد أن يقرأها في صحيفة ورقية معتمدة، حتى إن تأخر النشر.
على مدى الأيام الماضية كتبت عدة أخبار وأرسلتها للجريدة، وفي المساء كانت الأحداث تتغير ويتم إلغاء الخبر أو تعديله، في حادثة اختفاء المواطنة الكويتية في البوسنة مثلا، كتبت خبرا حول اختفائها، وقبل نشر الجريدة تناقل «تويتر» و«فيسبوك» خبر العثور عليها، فأصبح خبري قديما ولم ينشر. كذلك حدث مع خبر وفاة د.وليد العلي وفهد الحسيني، رحمهما الله، في بوركينا فاسو.. وغيرها الكثير من المواقف.
أقول بأن للصحافة الورقية ميزة المصداقية أو المرجعية، لأن الناس يقرأون الأخبار في «تويتر» و«فيسبوك» لكن لا يأخذونها على أنها صحيحة دائما، وإنما ينتظرون صدور الخبر من جهة رسمية، من صحيفة معتمدة، وهذا واضح لأن الصحف المعتمدة لديها فرق من الصحافيين المحترفين، ولديها التزامات قانونية وأخلاقية تجاه القراء، لذلك تحرص الصحف المحترمة على المصداقية أكثر من حرصها على السبق الصحافي، وإن كان مهما بلا شك. بينما تبقى أخبار «تويتر» و«فيسبوك» مجرد إشاعات إلى حين تأكيدها من الصحف ووكالات الأنباء المختصة. الغريب بالنسبة إلي، هو الهجمة الكبيرة على تقديم الأخبار من قبل هواة غير محترفين في برامج التواصل الاجتماعي، فتجد عشرات بل مئات الحسابات التي تزعم أنها مراكز اخبارية، وتتسابق في نقل أخبار الناس بلا حرفية ولا احترام لأخلاق المهنة، وهذا ما نلاحظه بوضوح مع أخبار الحوادث بشكل خاص، إذ يسارعون لنشر الصور والأسماء قبل التحقق من صدق الخبر، وهو ما يتعارض مع أهم أخلاقيات مهنة الصحافة الخاصة باحترام خصوصيات الناس ومصالحهم وكراماتهم. الصحف الورقية التقليدية تعرف المواثيق الأخلاقية للمهنة وتحترمها، مع وجود بعض الأخطاء أحيانا بلا شك، فهذا يبقى جهدا بشريا. ما أكثر الأخبار التي تصلنا يوميا، لكنها تتقلص إلى أعداد بسيطة عند النشر وذلك بعد عمليات التدقيق والبحث عن مصداقيتها من المصادر الرسمية الموثوقة، المسألة ليست سباقا في النشر، فالصحافة أكبر من هذا ودورها أوسع بكثير من مجرد نقل خبر على الطاير!
***
تعول الحسابات الاخبارية في مواقع التواصل الاجتماعي على السبق الصحافي وسرعة الانتشار ومتابعة الحدث، في حين تعول الصحف التقليدية «المحترفة» على وعي القراء وتمييزهم لما هو مهم وما هو أهم، وبأنهم سينحازون في نهاية المطاف إلى المصداقية والموثوقية أكثر من انحيازهم للسرعة. على أن معظم الصحف التقليدية الورقية أصبحت لها نسخة الكترونية تنشر بدورها الأخبار العاجلة أولا بأول، ومع هذا، تبقى الأخبار إشاعات إلى حين نشرها من مصادر موثوقة في صحف ورقية.
[email protected]