لا نختلف على أهمية وجود «البطانة الصالحة» حول أي مسؤول، ليعينوه في أداء عمله، بالرأي السديد ونقل صورة حقيقية لما يجري في محيط عمله ومسؤولياته. لكن من الواضح أن الحديث عن البطانة الصالحة بحاجة لتطوير أيضا، فما كان مقبولا قبل عقدين من الزمان من تبريرات للمسؤول بحجة فساد البطانة «غير الصالحة» حوله ومحاولة تبرئة ساحته بإلقاء اللوم على أولئك الأشرار المحيطين به، لا يمكن أن يبقى مقبولا اليوم في ظل وجود برامج التواصل الاجتماعي - وأهمها تويتر وفيسبوك - والتي يكفي تصفحها لدقائق معدودة للوقوف على حقيقة كل ما يتعلق بعمل المسؤول وإدارته وموظفيه.
***
عندما بدأ الشيخ محمد بن راشد جهوده الرائعة لنهضة دبي قبل سنوات، استحدث وظيفة «مراجع سري» للوقوف على أداء الموظفين في مختلف القطاعات، فكان مئات المراجعين السريين يجوبون الدوائر الحكومية يوميا ويتعاملون بصورة عادية مع الموظفين والمسؤولين، وينقلون له ما يجري في كل دائرة بدقة، الأمر الذي أسهم في رفع درجة التزام الموظفين والمسؤولين وتقيدهم بالقوانين وأداء واجباتهم وحسن استقبال المراجعين وخدمتهم.
لكن واضح أن هذه المهمة العسيرة والمكلفة لم يعد لها أي ضرورة اليوم، إذ يكفي أن يتصفح الشيخ محمد بن راشد تويتر وفيسبوك لدقائق، ليشاهد آلاف المقاطع والتغريدات التي تصف ما يجري في كل دائرة حكومية، وهو ما يتم فعلا باعتقادنا بدليل التفوق الكبير الذي تشهده دبي بمختلف مؤسساتها ودوائرها الحكومية وغير الحكومية من التزام وكفاءة، هذا مجرد مثال لمن يريد أن يقتدي بصانع نهضة دبي ويفعل مثله وينهض ببلاده ووزارته وإدارته وقسمه.
***
بوضوح.. لا عذر لمسؤول اليوم يتحجج بعدم معرفته بما يجري في مكان عمله وحدود مسؤولياته، فالناس توثق يوميا بالصوت والصورة مكامن الخلل والقصور والفساد في كل مكان، حتى لم يعد هناك حاجة أصلا للزيارات التفقدية - الشكلية غالبا - التي يقوم بها الوزراء وكبار المسؤولين، فما يبثه الناس من هموم وشكاوى في تويتر وفيسبوك فقط كفيل بتحديد كل أوجه الفساد والخلل والتقصير، وما على المسؤول إن كان صادقا في عمله ويريد حقا أداء واجباته بأمانة إلا أن يتصفح هذه البرامج بين فترة وأخرى، ويتعامل بحزم مع الشكاوى الجادة والموثقة، وينصف المظلوم ويحاسب المخطئ. فهذه البرامج التفاعلية هي خير «بطانة صالحة» في يد كل مسؤول كبير وصغير، تخبره بالحقيقة وتقدم له مجانا وباختصار أين الخلل وماذا عليه أن يفعل لإصلاحه. كما تنقل للمسؤول بكل صدق وأمانة أي القضايا التي تهم الناس أكثر، وأي المشاكل التي تثير غضبهم أكثر، وأي المسؤولين الفاسدين الذين يشعلون الثورات بأدائهم السيئ الذي يراكم الغضب. من هنا، نتمنى من خطباء الجمعة الذين اعتدنا على دعائهم الصادق بأن يصلح الله المسؤولين ويهيئ لهم البطانة الصالحة، نتمنى منهم أن يضيفوا لدعائهم أيضا الدعاء للمسؤولين بأن يفتحوا تويتر وفيسبوك ويقرأوا شكاوى الناس ويشاهدوا فيديوهاتهم التي يوثقون فيها صور الفساد والخلل والتقصير، وأن يتحركوا ويقوموا بواجباتهم.
***
أيها المسؤولون.. لا حاجة بعد اليوم لصناديق الشكاوى - المهملة - ولا لمراجعين سريين ولا لمراكز استشارات تطلب الملايين، فقط افتحوا تويتر وفيسبوك وابحثوا عن المواضيع التي تتعلق بوزاراتكم ومواقع مسؤولياتكم، وتلمسوا هموم الناس ومشاكلهم ومكامن الغضب عندهم.. وكفى بالدمار الشامل الذي حل بكثير من الدول حولنا بسبب فساد المسؤولين وتجاهلهم لحقوق الشعوب واعظا ونذيرا.
[email protected]