أنور شاؤول شاعر وأديب عراقي يهودي، من مواليد الحلة عام 1904، كان ضمن اليهود الذين تسلط عليهم صدام حسين عندما كان نائبا للرئيس أحمد حسن البكر في سبعينيات القرن الماضي، وتحت تأثير المد الناصري الذي اجتاح المنطقة آنذاك، تم إيداع شاؤول وبقية العراقيين اليهود السجن، لا لشيء، سوى أنهم يهود، في سيناريو تكرر في معظم الدول العربية في تلك الفترة مع الأسف.
ولا أفهم الآن لماذا تم طردهم ونفيهم إلى الكيان الصهيوني المحتل (إسرائيل)؟!
****
في السجن، كتب الشاعر أنور شاؤول قصيدة مؤثرة أرسلها لوزير الداخلية العراقي آنذاك صالح عماش، والذي تأثر بها كثيرا وساعده وتم بالفعل اخراجه من الحبس ثم أجبر على الهجرة إلى إسرائيل بعدها بأيام.. يقول شاؤول:
إن كنت من موسى قبست عقيدتي
فأنا المقيم بظل دين محمد
وسماحة الإسلام كانت موئلي
وبلاغة القرآن كانت موردي
ما نال من حبي لأمة أحمد
كوني على دين الكليم تعبدي
سأظل ذياك السموأل في الوفا
أسعدت في بغداد أم لم أسعد
****
الآن.. لماذا أجبر المواطنون اليهود في بلداننا العربية على الرحيل إلى الكيان الصهيوني المحتل؟ كانوا مواطنين عاديين لم يصدر منهم أي جرم أو خيانة.
واليهودية دين سماوي مثلها مثل المسيحية، فلماذا لم يجر مع اليهود من التسامح مثلما جرى مع المسيحيين؟! أيضا لا أفهم هذا، إلا على أنه جزء من العبث والفوضى التي سادت تلك الفترة، وهي فترة انتقال من كيانات محتلة إلى دول مستقلة تبحث لنفسها عن موطئ قدم وتحاول تأسيس نفسها وتقيم أركانها.
****
لم تفعل المغرب ولا تونس ولا اليمن ما فعلته بقية الدول العربية مع مواطنيها اليهود، فإذا تأملنا في دور هؤلاء المواطنين في بلدانهم إلى اليوم، نجد أنهم مواطنون عاديون لم يضروا أوطانهم بشيء، وبالتالي نستطيع أن نحكم على عمليات الترحيل القسري التي تمت ضد المواطنين اليهود في بلداننا بأنها عمليات همجية وتطهير عرقي واضح، وخطأ استراتيجي بالتأكيد، حيث ان هؤلاء المواطنين تحولوا من خدمة أوطانهم إلى خدمة الكيان الصهيوني المحتل بعد أن احتضنهم وأصبحوا مواطنين لدى هذا الكيان.
****
كنت في لندن العام الماضي، وقرأت هناك كتاب «أعلام اليهود في العراق الحديث» لمؤلفه مير بصري، الذي كان رئيسا للطائفة الموسوية في العراق قبل أن يطرد هو الآخر. والكتاب يضم أكثر من مائة شخصية عراقية يهودية من الشخصيات العامة، في الفكر والأدب والسياسة ومن رجال الدين.
يستعرض في الكتاب سيرة كل منهم، وتاريخ أسرته وجهودهم ومساهماتهم الوطنية. يكفي أن نعرف أن أول وزير للمالية في أول حكومة عراقية كان ساسون حسقيل الذي شغل المنصب عام 1920، والذي يؤكد مؤرخو العراق على نزاهته ودوره الوطني الكبير. والمرء يشعر بالغصة والألم حين يراجع هذا التاريخ الملطخ بالدماء والمظالم والتخبط في التعامل مع البشر.
****
ولا أسوأ من طرد المواطنون اليهود من أوطانهم وتهجيرهم قسرا إلى بلاد لا يعرفونها ولا ينتمون إليها، إلا محاولة اقتلاع ذكراهم وتاريخهم الوطني أيضا.. ففي «الأعمال الكاملة» للشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي، أزيلت كل القصائد التي يمتدح فيها مواطنيه اليهود، ومنها رثاؤه للوزير ساسون حسقيل وكذلك للمحسن الكريم مناحيم دانيال، الذي بنى على نفقته الخاصة دارا حديثة للميتم الإسلامي عام 1928، وفيه قال الرصافي:
شاد ابن دانيال الكريم لذا البنا
بالمال بأبي الأيتام كل الثناء
رجل علمنا اليوم من إحسانه
ان ليس للإحسان دين في الدنى
[email protected]