أزعم أن كل من يشارك في تصوير عملية تقديم الاستجوابات على أنها «مشروع أزمة» ودعوة لحل مجلس الأمة إنما هو شريك في الانقلاب على الدستور وخيانة الوطن، وعلى من يفعلون ذلك بحسن نية وبلا وعي أن يتبرأوا من هذه الدعوة التي أفسدت الحياة الديموقراطية في الكويت. الاستجواب حق دستوري وأداة برلمانية لمحاسبة الحكومة، لماذا يسميها البعض «مشروع أزمة» ولماذا يفهمها البعض على أنها دعوة لحل مجلس الأمة؟ إذا كانت الحكومة لا تتقبل المحاسبة فعلينا أن نكون واضحين وننتقد الحكومة وليس الاستجواب أو من يقدمه، صحيح ان بعض الاستجوابات كانت شخصية وانتقامية أكثر منها محاسبة لوزير على تقصير في عمله، ولكن حتى هذا النوع من الاستجواب يجب ألا يوصف بأنه دعوة لحل مجلس الأمة أو أنه تأزيم. فالحكومة بإمكانها أن تتعامل مع هذا النوع من الاستجوابات بصورة مناسبة وتفضح النائب وتبين أن استجوابه شخصي وانتقامي، وتستمر الحياة السياسية بصورة طبيعية، فالحال بين أمرين إما أن الاستجواب سليم وبالتالي يجب أن يأخذ مجراه السياسي السليم، وإما أنه شخصاني فيتم الرد عليه وتتكشف من خلاله مواقف النواب الذين يتلاعبون بمستقبل الكويت ومصالح شعبها، وفي كل الأحوال لن يكون الاستجواب أكثر من أداة محاسبة وليس شيئا آخر، أما أن يشارك كل هذا العدد من الكتاب و«المثقفين» في تصوير الاستجواب على أنه وسيلة للقضاء على مجلس الأمة فهو خيانة للوطن، إذ ان ما يقابل هذه الدعوة الخبيثة دعوة لتجريد البرلمان من أهم أدوات الرقابة والمحاسبة، فهل هذا ما يريده من ينتقد الاستجوابات ويصفها بأنها مشاريع أزمة ودعوات لحل المجلس؟!
في كل مرة يعلن أحد النواب عن عزمه تقديم استجواب نجد أنفسنا أمام تمثيلية سخيفة تتكرر بنفس أحداثها ولغتها، يتدافع كثير من الكتاب لوصف الاستجواب بأنه دفع باتجاه حل المجلس وتأزيم العلاقة بين السلطتين (وهي كذبة روجتها الحكومة لتتهرب من المساءلة) وتستمر التمثيلية وتدخل عليها تصريحات استفزازية من بعض النواب تقابلها اتهامات بالتأزيم من الحكومة ويصبح الحديث عن حل مجلس الأمة هو الشغل الشاغل لدى الجميع بلا مبرر، مع أن الاستجواب مسألة عادية جدا ويفترض ألا تؤدي إلى هذا المسار على الإطلاق، مهما كانت مادتها، مرة أخرى يجب على كل من يشارك في هذه التمثيلية السخيفة أن يراجع نفسه ويتبرأ منها حتى لا يكون شريكا في محاولات الحكومة المستميتة لتفريغ الدستور من محتواه والالتفاف عليه بقتل أهم أدوات الرقابة والمحاسبة، فإن كان الفساد قد وصل إلى هذه الدرجة الكبيرة في ظل وجود المجلس وحق الاستجواب فكيف سيكون الحال بدونهما؟!
[email protected]