إحدى مشكلاتنا «العويصة» في الوطن العربي «عموما» هي مشكلة التعميم، فنحن نحكم على الشعوب والإيديولوجيات والأفكار الكبيرة بكل بساطة من خلال جزئية صغيرة أو موقف واحد أو حتى استثناء قد لا يتكرر، تماما كما أفعل الآن
لا أفهــــم لماذا يجزع البــــعض من مـــوضوع تعديل «بعض» مواد الدستور، ولماذا يعتبر البعض مجرد الحديث عن ذلك بمثابة تعد على خط أحمر آخر من بين الخطوط الحمراء، وما أكثرها في الكويت هذه الأيام؟
أفهم أن الحديث عن تعديل المادة الثانية قد يثير إشكالا كبيرا ربما لا يتحمله مجتمعنا المتوتر، أفهم أن «تقليص» الحريات العامة خط أحمر هو الآخر ومن الطبيعي أن يثير مخاوف دعاة عدم تعديل الدستور، أفهم أن تعديل المواد المتعلقة بقضايا ذات حساسية معينة يمكن أن يثير شيئا من الريبة والخوف، ولكن هل هذه المخاوف كافية لرفع شعار «إلا الدستور»؟
ماذا عن تعديل المواد المتعلقة بتحسين كفاءة إدارة الدولة، مثل زيادة عدد الوزراء والنواب وإعطاء ديوان المحاسبة دورا أكبر وصلاحيات أوسع ليقوم بدوره الرقابي الكبير في حماية الأموال العامة، هل هذه «خطوط حمراء» أيضا؟ ماذا عن تعديل بعض المواد المتعلقة بالمساواة وإعطاء السلطة القضائية دورا أشمل لممارسة دورها بنزاهة وحيادية أكبر؟
مم التخـــوف إذن من مســـألة تعــــديل بعض مــــواد الدستــــور مـــادام الدستور نفسه ينص على أن أي تعديل غير مسموح به إلا إذا كان نحو مزيد من الحريات والامتيازات.
لماذا نتناول القضية بصورة «عامة» جدا ونتصور أن كل مواد الدستور «خط أحمر»، فهل تعديل المادة الثانية المتعلقة بالتشريع الإسلامي كمصدر من مصادر التشريع أو المادة السادسة التي تنص على أن السيادة للأمة يساوي تعديل المادة 80 التي تحدد عدد أعضاء مجلس الأمة المنتخبين بخمسين عضوا؟
علينا إذن أن نتعامل مع مسألة تعديل بعض مواد الدستور بدقة أكبر وعقـــلانية أكثر، فلا يجوز أن نرفض أي تعديل للدستور حتى وإن كان واقعيا تتطلبه الضرورة، يكفي أن نرفض التعديلات التي تتعارض مع مبادئ الدستور ذاتها، مم الخوف أصلا على دستور يتضمن في مادته رقم 175 هذا النص الرائع «الأحكام الخاصة بالنظام الأمـــيري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الامارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة».
[email protected]