محمد الشريجة
يقول الغرب ان العرب يستخدمون التكنولوجيا لأغراض مغايرة لما تم اكتشافها له، نعم هذه حقيقة، فقد تحولت الاكتشافات العلمية لدي العرب من ادوات للتطوير الى ادوات للتخلف والرجعية.
ويستغرب البعض من ظاهرة المنتديات القبلية التي كانت في اوجها العام المنصرم. وكيف ان اكثر من 300 موقع متخصص في الشؤون القبلية تم تطويرها خلال سنتين فقط، والأغرب من ذلك أن المنتديات العلمية والاجتماعية المتخصصة في شؤون الأسرة والتربية والثقافة والآداب تقلصت إلى أكثر من 50% خلال عام واحد، هذه الإحصائيات يتم إعدادها من قبل شركة أميركية متخصصة للكشف عن ميول واتجاهات الأقاليم والمناطق الجغرافية.
وهنا يجب أن نلقي النظر على مثل هذه المنتديات التي تم إنشاؤها خصيصا لتمجد مجموعة معينة من البشر تجمعهم روابط قبلية، ففيها يتم ذكر أحداث الماضي بشكل مغلف ويتم وضع المساحيق التجميلة عليها، وكذلك يتناول البعض الطعن في الآخرين وإثارة النعرات القبلية والنزعات الفئوية من اجل الظهور بمظهر الممجد به، والغريب كذلك كيف أن التاريخ لم يكن محصنا بكتب ومؤلفات، ولعل التفسير المنطقي الذي أذهب إليه وذهبت إليه كذلك مجموعة من المثقفين أن الجزيرة العربية ونجد خصوصا كانت تمر بفترة من الظلام امتدت منذ عام 300 هجرية إلى أن تم تأسيس المملكة العربية السعودية والإمارات الخليجية مثل الكويت والبحرين وقطر والإمارات.
ومن عجائب العرب انهم سينصدمون بحقائق علمية حول النسب والتاريخ وكيف أن علم الجينات الوراثية الذي يستهوي بعض الاخوة العرب قد تم تطويره للكشف عن الجذور التاريخية للقبائل والتقسيمات للسلالات، ومن أغرب وأعجب الأمور ان هناك مشاريع عربية متخصصة للكشف عن الشجرات العرقية للعرب وسلالاتهم، مثل مشروع قبيلة الاشراف الذي شارك فيه كثير من أبناء الأشراف ومشروع القبائل العدنانية الذي لم يسعف أحد الأخوة من أبناء قبيلة معروفة بالجزيرة العربية، حيث كشف جذوره التاريخية وأنه يعود إلى أصول تركية، وكذلك أحد أبناء عائلة معروفة جدا على مستوى الخليج العربي وكيف أن جذورهم (حسب التحليل الجيني) تعود الى سلالة فارسية.
وبالعودة الى ظاهرة المنتديات القبلية التي شغلت بال الكثير من الإخوة خلال العام الماضي وكيف انها تحولت الى ساحة تعارف وتناحر بين أبناء القبائل الذين وللأسف يعاني البعض منهم من الجهل المركب.
ومن الحوادث الطريفة ان احد المؤرخين استخدم نظرية فلسفية غريبة واخرج بها قبيلة من رحم قبيلة وعائلة من ضمن قبيلة انجبت قبيلة! فكثيرون وللأسف يمارسون الطعن في أعراض المسلمين الذين لا يعلمون ان أعراضهم التي تنتهك من قبل طاعنين استهواهم الطعن بدون دليل او خبر يقين.
واللافت للنظر ان الكثير منهم نسي او تناسى الحكمة من جعلنا شعوبا وقبائل وهي كما قال الله عزوجل: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وجعل سبحانه المفاضلة بين البشر بالعمل الصالح.
وما يدعونا هنا الى الوقوف عليه هو هل العرب يعانون من فقدان الهوية الاجتماعية؟ وكيف ان التقسيم الفئوي الذي يمارسه البعض كما مارسه ابناء اثينا سابقا وقسموا البشر بها الى عبيد واسياد وأصيل وغير أصيل، دليل كاف على التشبث بأمور واهية لا أساس لها من الصحة.
ولعل المطلع على تاريخ القارة الأوروبية يكتشف أن هذه القارة كانت مرتعا للقبائل الاوروبية القديمة التي اخفتها الحضارة البشرية وكيف ان ابناءها اليوم يرون ان مثل هذه الامور نوع من التخلف والعلوم التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
واخيرا اقول ان مثل هذه المنتديات تحتاج الى تشريع خاص يعالج بعض الممارسات الشاذة بها مثل الطعن في البشر واثارة الفتن وهو امر متبع في أميركا واوروبا وهو من ضمن تصنيفات الامور التي يجرمها القانون «attacking a group of people».
وهل نحن فعلا بحاجة الى وجودها اصلا مع غياب المعلومة الموثقة والصحيحة؟ ولكن عزاءنا اليوم هو قول سابق «التاريخ صناعة الأقوياء ولا مكان فيه للضعفاء» وهو دليل كاف على ان الأسس الثقافية للوطن العربي التي يتشدق بها البعض غير موثقة ولا يعتد بها.