طالعتنا الصحف اليومية قبل فترة بتصريح لأحد قياديي مؤسساتنا الحكومية يتعلق بإلغاء لجان مقابلات وتسكين الوظائف الإشرافية، وكان السبب وفقا للقيادي، وكما صرح «ألغيت كل اللجان، فهي لجان صورية لا تمت للحقيقة والعدالة بصلة إلى جانب أنها تضع المسؤولين أمام ضغط من الوزير، في حال أراد تمرير أناس بوظائف إشرافية».
انتهت مسببات القيادي. لعل ما اقدم عليه ذلك القيادي يمثل شجاعة باتخاذ القرارات، ولقد كنت شخصيا مؤيدا لإعادة النظر في فلسفة لجان المقابلات بصورة عامة بحيث من الضروري أن تشتمل على شخصيات محايدة من خارج الجسد المؤسسي للجهة.
وقد يتبادر إلى الأذهان انني أوافق على قراره!! فهذا غير صحيح، خصوصا أن القيادي اقدم على خطوة غير صحيحة، حيث اعتمد بالترقيات على الأقدمية!! وهذا ما يخالف كل التوجهات الإدارية الحديثة ويرسخ لمفهوم انعدام العدالة بالمؤسسة.
كما ان قرار القيادي في صورته العامة ومسبباته ونتائجه يخالف جميع الممارسات الإدارية الحديثة والتحفيزية المعتبرة.
ومن الآثار المتوقعة لمثل هذا القرار دفع العاملين الى التخاذل والركون وعدم الابداع أو المبادرة.
ومن النظريات التي تتضاد مع مثل هذا القرار «نظرية التوقع» (expectancy theory) التي تؤكد على أهمية ان تربط المكافآت والترقيات بمدى تميز وعطاء الموظف وليس بناء على أقدميته أو خبرته أو قدرته فقط، بل على مدى عطائه، وقدرته، وولائه للمؤسسة.
هذا، وكثيرا ما انتقدت ديوان الخدمة المدنية بسبب قراراته التي تؤصل لقتل الطموح لدى الموظف الحكومي وتحارب عطاءه وخصوصا فئة الشباب.
ومن المهم أن يدرك قياديو مؤسساتنا الحكومية انه من المفترض ان تكون الترقية بناء على بعدين رئيسيين: 1- الأداء المتميز الحالي للفرد في الوظيفة، و2- إمكانيات الفرد ومهاراته التي تمكنه من العمل بمنصب أعلى)، هذا اذا كنا ننشد بث الروح من جديد بجسد اغلب مؤسساتنا التي أصابتها الشيخوخة بسبب القرارات المركزية العوراء، تلك القرارات التي لا تنظر للموظف بعين المقيم المنصف، بل تأخذ أسوأ الأمثلة وأفسد الممارسات وتجعل منها منطلقا لمزيد من القرارات المركزية والمقيدة، وهو ما يؤكد حاجتنا إلى ثورة إدارية تبدأ من ديوان الخدمة ولا تنتهي حتى تغطي جميع المؤسسات والهيئات والوزارات التنفيذية بالدولة.
في احد المقابلات التلفزيونية ذكر حكيم سنغافورة السيد لي كوان يو، ان سياسته التي أدت الى نهوض سنغافورة اعتمدت على الاختيار السليم للقيادات التنفيذية، وذكر السيد «لي» انه بحث عن القيادات التي تتوقد حماسة وتعمل من اجل تحقيق الأهداف دون النظر الى أي معايير اخرى بخلاف كفاءتهم وقدرتهم على العمل والإنجاز.
وفي ورقة علمية قدمها «لي» في احد المؤتمرات العلمية تطرق إلى أزمة الدول الأقل تقدما حيث ذكر «ما ينقص هذه الدول هو وجود قادة يتمتعون بمهارات قيادية مناسبة ويمتلكون إرادة سياسية قوية للقيام بالإصلاحات الضرورية».
كما ذكر السيد «لي» الأسباب التي أدت الى تحسن دور المؤسسات الحكومية مستذكرا أربع سياسات كان لها آثار قوية على القطاع العام السنغافوري يمكن اختصارها في التالي:
٭ الإصلاحات التي أدخلت في قانون الخدمة المدنية السنغافوري.
٭ وقوانين مكافحة الفساد.
٭ وقوانين تعزيز اللامركزية.
٭ والرواتب التنافسية لموظفي القطاع العام.
ومن هنا ندرك ان للقوانين والنظم الإدارية دورا أساسيا بالنهوض التنموي، وهو ما لا يتوافر لدينا بالكويت حتى الآن. بل ان اغلب القيادات يتم تعيينها وفقا لعنصر الولاء والواسطة دون النظر للكفاءة والقدرة. وما يحدث في أغلب وزاراتنا من تعيينات براشوتية دليل لا يحتاج إلى شرح على سوء الحال وغياب المعايير الإصلاحية في مثل هذه التعيينات.
يشير مؤشر الفساد الدولي الى أن مؤشر الفساد بالكويت سجل اقل درجة بالعام 2003 عند المرتبة 35 وأعلى درجة 2016 عند المرتبة 75!! وحين نقارن بالتفاصيل بين العام 2003 والعام 2016 نجد ان بالعام 2003 كانت الرقابة المالية والإدارية أقل شدة منها الآن، ولم تكن هناك هيئة مكافحة فساد ولا لجنة اختيار قياديين ولا قانون للقياديين ولا ديوان خدمة مدنية يتدخل بكل صغيرة وكبيرة، ولا قرار وظائف إشرافية، ولا جهاز المراقبين الماليين، ولا، ولا!! وهذا ما يثير الفضول، كيف لمؤشر الفساد أن ينمو كل هذا النمو في ظل هذه الإجراءات الرقابية غير المنتهية؟، وكيف للفاسدين مضاعفة فسادهم بهذا الطريقة الغريبة؟! للعلم عزيزي القارئ ان أعلى رتبة فساد سجلته بالكويت على الإطلاق - وفقا لمؤشر الفساد العالمي ومنظمته - كان بالعام 2016!
@dralsharija