تحاول كل الإمبراطوريات والدول الكبيرة أن توحي للجميع بقدرتها على التحكم في كل شيء وأنه ما من شاة تنزلق قدمها في جزء من هذا العالم إلا وهي على وعي ودراية بها، وهكذا فقد تردد لدى الكثير من المراقبين للأوضاع في مصر أن الطلقة الأخيرة التي وجهت للنظام المصري السابق كانت من قبل الجيش الذي هدده إما بالتنحي أو بتقديمه للمحاكمة، وبالطبع كعادة الإمبراطوريات، تم تصوير هذه الطلقة الأخيرة على أنها كانت بتحريض أميركي، وبغض النظر عن صحة هذا القول من عدمه، نعلم يقينا أن العالم اليوم أصبح عالما أفضل، هو عالم ينقصه على الأقل واحد من الأنظمة الدكتاتورية، ما حدث في اعتقادي هو صدمة لأميركا لم تفهمها حتى لحظة كتابة هذه الأسطر.
إن التعامل الأميركي مع هذه الأحداث هو أمر واجب الدراسة، فهو في اعتقادي دليل واضح على هذا الجهل من قبل السياسات الإمبراطورية الحديثة، وعلامة هذا الجهل ما فعله الرئيس الأميركي أوباما بتردده بين تأييد مبارك ومعارضته، قد يقرأ البعض هذا على أنه دهاء سياسي يكمن في عدم وضع كل البيض في سلة واحدة، ولكني أراه دليلا على الفشل في السيطرة على مجريات الأحداث بل جهلا بها، ولكن كيف؟ لنعد الى الوراء قليلا: خرج باراك علينا بدعوة مبارك «لأن يترك السلطة بطريقة تعطي مصر فرصة أفضل للسلام والديموقراطية» وفي نفس الوقت بعث «فرانك وايزنر» وهو مبعوث خاص يحاول إقناع مبارك بالحفاظ على السلطة، وخرج «وايزنر» علينا آنذاك بتصريحه الذي تناقلته بعض وســائل الإعلام العربية: «إن استمرار حكم مبارك على درجة عالية من الأهمية».
إن اختيار «وايزنر» من قبل البيت الأبيض كي يقوم بهذه المهمة لا ينبغي أن يمر علينا مرور الكرام، حيث ان الرجل مقرب من البيت الأبيض، ولكنه لا يمثله وهو أيضا محل ثقة مبارك (وايزنر يمتلك أكبر مكتب محاماة في واشنطن العاصمة ويدير هذا المكتب أملاك مبارك وأسرته في الولايات المتحدة).
ولكن وبعد هذا العناد الذي مارسته الجموع الحاشدة ضد مبارك يوما تلو الآخر خرجت علينا الوزيرة كلينتون لتقول إن «تصريحات وايزنر كانت شخصية» وكأنها مؤيدة لانتفاضة الشباب، ولكنها لم تفكر للحظة في أن تصريحها هذا قد أوقعها في تناقض مع تصريحاتها المبدئية حيال الثورة المصرية: «لدينا ثقة في استقرار نظام مبارك».
وهو نفس الموقف الذي أقره نائب الرئيس «جو بايدن» في مقابلة تلفزيونية: «لا يمكنني القول إن نظام مبارك غير ديموقراطي ذلك هو التناقض الذي يعبر عن عدم استيعاب أميركا لما يجري على الأرض.
وأمام هذا وذاك لا يمكننا إلا أن نتساءل: أليس من الحري بأميركا أن تحترم تراثها الديموقراطي العريق وتخبرنا إلى جانب من تقف: جموع تناضل من أجل الحرية أم نظام متفرد بالسلطة لمدة 31 عاما؟ لم أر رأيا يسخر من هذا التناقض في السياسة الأميركية أفضل من رأي السيد محمد البرادعي: «من التناقض أن تطلب من دكتاتور استمر في الحكم أكثر من ثلاثين سنة أن يمارس الديموقراطية، لن تبتدئ الديموقراطية إلا برحيله».
[email protected]