لا شيء يدعوني للاشمئزاز من إنسانيتنا في العالم المعاصر مثل مناقشة قضية حقوق البشر الطبيعية، فننصب أنفسنا فوق البشر ونقرر وفقا لهذه المناقشة ما إذا كان هذا الشخص مستحقا لحقوقه الإنسانية أم لا. يدور هذا النفس العنجهي هنا في الكويت حيث تجري العنصرية فينا مجرى الدم في العروق. أقدم في هذا المقال توصيفا لموقف مؤيدي منح البدون حقوقهم المدنية في مقابل موقف الرافضين:
1 ـ نحن المؤيدين لا نساوم على الحقوق الإنسانية بينما الرافضون لها يساومون، فنحن نؤمن بأن كل إنسان يمتلك حقوقا طبيعية تأسس بناء عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا يمكن لنا أن نساوم في هذه القضية، فالإنسان لدينا هو كائن له قيمة في ذاته بغض النظر عن أي شيء آخر. أما خصومنا الرافضون لهذه الحقوق الإنسانية فهم في حالة يرثى لها نظرا للتناقض الذي يقعون فيه، ففي الوقت الذي يحترمون فيه الدولة ويبجلون ديموقراطيتها وكل المواثيق الحديثة التي وقعتها الدولة كي تكون دولة حديثة، نجدهم ينتقصون أحد الأسس التي قامت عليها الديموقراطية وهي الإيمان بقيمة الإنسان المطلقة، وبالتالي فهم إما واقعون في تناقض أو جاهلون بمعنى الديموقراطية وتلك لعمري مصيبة كبرى، فهؤلاء الذين يتغنون بالديموقراطية التي أوصلتهم للبرلمان هم من يجهلون مبادئها.
2 ـ نحن مؤيدو الحقوق المدنية لسنا عنصريين على الإطلاق، فلن تجد لدينا تمييزا فيما يتعلق بحقوق البشر بالنظر للون بشرتهم أو دينهم أو أصلهم الجغرافي. إن الأصل لدينا هو الإنسان الذي ينبغي أن يتمتع بجميع الحقوق، أما خصومنا فيعتقدون أن هناك خصوصية طبيعية لعلاقة بعض الأفراد بالأرض، وبالجملة فهم يقسمون الشعب إلى «أصليين» و«غير أصليين»، ويريدون في نهاية الأمر أن يربطوا قضية الحقوق بقضية الأصل، فالأصيل وفقا لهذا المنطق ينبغي أن يتمتع بكل الحقوق أما غير الأصيل أو البدون فبالإمكان التباحث في أمرهم لاحقا، فإما أن تعطيهم أو تمنعهم. نحن أمام عقلية عنصرية بالفعل أجدها خطرا على السلم الاجتماعي للوطن. ولكنه ليس من الشطط أن نتنبأ بوجود هذه العقلية خارج التاريخ قريبا جدا، فشباب المجتمع الكويتي بكل طوائفه الدينية وانتماءاته الاجتماعية قد ابتدأ بخلع هذه العباءات الرثة والأفكار التي ثبت إفلاسها تاريخيا.
3 ـ نحن مؤيدو الحقوق المدنية نتميز أخيرا بالشجاعة، أما خصومنا فيتسمون بالجبن. نحن شجعان لأننا لا نخجل من إعلان قناعتنا أنه لا يمكن الحفاظ على التجربة الديموقراطية الكويتية في ظل إخفاء متعمد لمطلب العدالة، فلا ديموقراطية محترمة بإمكانها أن توجد من دون عدالة اجتماعية. تدفعنا شجاعتنا لأن نتعامل مع المقهورين الذين غضبت عليهم نخبة عنصرية فمنعتهم أدنى حقوقهم البشرية، نتعامل معهم ونسعى لتحقيق العدالة لهم، حتى عندما نعرف أننا لن نستفيد شيئا، حتى عندما نعرف أننا قد نخسر الكثير نظرا لوقوفنا في مواجهة تيار عنصري متنفذ، وخصومنا جبناء لأنهم يخشون مواجهة إنسانيتهم، ولأنهم عاجزون عن إتاحة الحرية لعقولهم فتذهب في زيارة ذهنية لحال هؤلاء المقهورين والمستضعفين. في هذه الزيارة الذهنية فقط يضع الإنسان نفسه مكان الشخص البدون وينظر لكل الأهوال الشخصية التي يكابدها يوميا وبعد هذه الزيارة يعود ليسأل نفسه إن كان يفضل مثل هذه الحياة البغيضة، لكن الجبن لا يسمح بمثل هذه الحرية، يا له من جبن فاحش ذلك الذي يدعوك لأن تظن نفسك دائما على حق.
[email protected]