وسط هذا الانقسام الديني الذي نراه اليوم في الكويت بين سنة وشيعة حول موضوع لا ديني بطبيعته «الأحداث في البحرين»، وهو هذا الانقسام نفسه والتراشق بالألفاظ النابية والمعيبة الذي يتكرر كل مرة يطرح فيها موضوع يخص طائفة معينة مثل زيارة أحد الدعاة للكويت، تأبين عماد مغنية، خمس أم زكاة.. الخ. وسط هذا الانقسام الذي لا يبدو كأنه سحابة صيف وتمر، بل واقع مريض أشبه بالجسد الذي يحمل فيروسا عنيدا لا يمكن الشفاء منه، حيث يكمن مع بعض مسكنات الألم ولكنه يعاود الظهور مرة أخرى متى ما غاب تأثير المسكنات ومتى ما ظهرت بواعث تدعوه للهياج مرة أخرى، وسط هذا الانقسام المجتمعي العضال ينبغي علينا أن نسأل أنفسنا إن كانت مواطنتنا مريضة بالفعل، أم أصابها العفن أو الوهن، وعما إذا كنا بحاجة لفلسفة جديدة للمواطنة؟
ما أعلمه تمام العلم هو أن كل الحلول التي قدمت في تاريخ الكويت الحديث لرأب هذا الصدع الاجتماعي قد انتهت بالفشل، ودليلي على ذلك هو تلك الأزمات الاجتماعية المتعاقبة التي تعاود الظهور بشكل مزمن، ودليلي الآخر هو أن النخب السياسية والمثقفة والتي قد تعلقنا بها من أجل انتشالنا من هذا الغرق، أصبحت هي الغريق الذي نود إنقاذه، لقد تقهقرت هذه النخب للدرك الأسفل من البذاءة، البذاءة التي تتقيؤها كل مرة تخرج علينا في الإعلام فيقرؤها ويشاهدها أبناؤنا.
لقد وصلنا الى مرحلة نعي فيها نحن أبناء هذا الوطن أن كل هذه الحلول التي قدمت من أجل إنقاذ وحدتنا الوطنية هي حلول مؤقتة ترقيعية، نجد من الغباء أن نستمر فيها. لا يساورني أدنى شك في ضرورة البدء بعملية تغيير راديكالية، من أجل صياغة مفهوم حديث للمواطنة يبتدئ من نقطة الصفر، تماما كما فعل الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، في نقله الكويت من دولة تحكم بطريقة عشائرية تقليدية إلى دولة تحتكم إلى الدستور والقانون.
لكنه لحسن الحظ ليس علينا أن نبدأ من الصفر، وذلك لأن أجدادنا قد ناضلوا سابقا من أجل تسليمنا أمانة الدولة الحديثة، دولة الدستور، لكننا على الأرجح قد خنا الأمانة فعدنا إلى كل تنظيمات ما قبل السياسة من قبيلة وطائفة فخنا ليس فقط الأمانة التاريخية بل خنا أنفسنا أيضا عندما وضعنا شأننا الخاص فوق العام.
لا يتطلب الإصلاح علماء ذرة أو فضاء أو خبراء من أميركا وبريطانيا، حيث إن بدايته سهلة جدا: تطبيق القانون، تلك هي الكلمة السحرية التي ما إن تجد طريقها للواقع حتى تساوي الجميع بمسطرتها فلا تفرق بين متنفذ ومواطن عادي، بين أسرة وأخرى، بين وزير سيادي وغير سيادي، سيعلمنا تطبيق القانون بشفافية أن نتنافس بشرف حتى نتميز، ان قدرات الفرد هي السبيل الوحيد للارتقاء به في السلم الاجتماعي وليس انتماءه لقبيلة أو طائفة. فما الفائدة التي تقدمها القبيلة لي إن كان القانون هو الضامن الحقيقي لجميع حقوقي، والسيف المصلت على رقبتي من أجل الالتزام بواجباتي؟ إن تطبيق القانون يعني بالضرورة التحلل من هذه العلائق القبلية والطائفية وذلك لأنني لا أجد حماية لي فيها ولا ضمانا لحقوقي، إنها ستصبح في الواقع عبئا علي لا أحتك به سوى في مناسبات اجتماعية.
ذلك هو الحل المقترح. هل تركته حكوماتنا المتعاقبة؟ لا أشك للحظة في هذا. هل هي مقتنعة به؟ ذلك هو مصدر قلقي[email protected]