الصراع السياسي ظاهرة طبيعية ناجمة عن اختلاف الرؤى والمصالح، وكأي صراع آخر، غالبا ما ينتهي الصراع السياسي بانتصار طرف على طرف آخر، ما يميز الدول الديموقراطية هي أن صراعاتها تنتهي بطريقة قانونية تحفظ الاحترام لهذه المبادئ السامية الموجودة في دساتيرها.
مشكلة بعض الدول الديموقراطية «الديكورية»، أي ديموقراطية الظاهر فقط، على الرغم من وجود دستور راق لها، هي أن صراعاتها السياسية لا تحل، أبدا.. وما يميز الصراع السياسي في هذه الدول أنه لابد أن ينتهي بإزاحة طرف ما نتيجة استخدام أدوات ديموقراطية قانونية، هو أنه يستمر في الظهور دائما على العلن مصيبا الدولة بإرباك شديد من الصعب إنهاؤه، والسبب في هذا هو عدم قدرة القانون على إزاحة بعض الأفراد، أو كي نكون أكثر تحديدا، عدم قدرة الحكومة القائمة على تنفيذ القانون بإزاحتهم، وأسباب هذا العجز القانوني لحل الصراع، أن هناك ما يشل القانون إذ ان هدف القانون هو حل الصراعات، لكن للأسف البعض يكونون فوق القانون.
هذه الوضعية «فوق القانون»، هي نتيجة لأمور عدة، أهمها تداخل عوامل ـ ما قبل ـ ديموقراطية في العملية السياسية الديموقراطية: كوجود قوة مركزية مؤثرة لأسر حاكمة أو أقطاب في هذه الأسر تعتقد بامتلاكها «حق» غير مكتوب، أي غير قانوني، ولكنه يظل على الرغم من هذا «حقا» لا لشيء سوى كونهم «أقوياء»، ومن وجهة نظر هؤلاء الأقوياء وعقليتهم أنهم لن يسمحوا بأي دور ثانوي لهم خارج اللعبة السياسية. وهكذا إذن يظل الخاسر من أبناء هذه الأسر الحاكمة في مضمار اللعب السياسي لا يخرج منه أبدا، مثيرا لأزمة أخرى أو صراع آخر يهدف لهزيمة من هزمه، وبالتالي العودة تارة أخرى للملعب السياسي. ولأن أبناء هذه الأسر كثير عددهم فبإمكانك تخيل عدد الأزمات السياسية بعدد لاعبيهم السياسيين، باختصار: لا يمر وقت على هذه الديموقراطيات الديكورية ليست هي فيه في أزمة.
إن اعتقاد البعض بقوتهم الفائقة على القانون، وهي «قوة» واقعية نراها ونلمسها، لا يشكل عملية إخصاء للقانون فقط أو عجز للحكومة عن تطبيق القانون، خاصة إذا ما اختلط هؤلاء الأقوياء بالحكومة فأصبحوا «هم» الحكومة برئاستها وكل وزاراتها الحساسة، بل يعني أيضا، وهذا هو الأهم، انهيار الدولة كجهاز يؤمن بالعدالة ويسعى لتحقيقها بين الجميع بدون تمييز. وهكذا فالدول الديموقراطية «الديكورية» ليست في أفضل الأحوال سوى أشباه دول لا دول بالمعنى الحقيقي للكلمة.
إن رسوخ الصراع السياسي الذي لا ينتهي في أشباه الدول، والذي يمثله بعض أفراد أقوياء، هو السبب الحقيقي لما يعرف «بالتأزيم». فالتأزيم «المستمر» هنا لا يجب أن يفهم من خلال ارتباطه بمطالبات النواب واستجواباتهم، فهؤلاء النواب يأتون و«يذهبون» ويفوزون و«يخسرون»، يجب أن يفهم «التأزيم المستمر» إذن من خلال ارتباطه بأفراد يعتقدون باستمراريتهم السياسية، فهم إن اقتربوا وإن ابتعدوا عن مسرح صنع القرار يستمرون في الوجود كمحركين للأمور من خلف الكواليس بسبب ما يمتلكون من قوة.
يدرك محبو المال والمتسلقون حقيقة «استمرارية» هذا الصراع تمام الإدراك، فتجدهم متعلقين دائما بأذناب الأقوياء أينما حلوا وأينما ذهبوا، فهم إما مع القوي المنتصر وإما مع المهزوم الذي «لابد له» أن ينتصر في يوم ما.
هل أتى ذلك اليوم الذي تصبح فيه أشباه الدول دولا؟ لننتظر «الربيع».
[email protected]