استمتعت بحضور ندوة قيمة أقامها مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة الكويت حول موضوع يشغل بالنا اليوم: الثورات العربية والتحولات التي تجرى على قدم وساق في المنطقة العربية. وكان د.شفيق الغبرا أحد متحدثي الندوة، وعلى الرغم من وعده للحضور بأن يحصر حديثه في الثورة المصرية، عرج لأكثر من مرة على ما يجري الآن في سورية، ولا ألومه في هذا من ناحية موضوعية فمن الصعب أن تفكر أو تحدد نموذجا دون مقارنته بغيره، ولكن يبدو أن ملاحظاته على النظام في سورية لم تكن لتلقى قبول بعض الحاضرين، بل وبعض المتحدثين في الندوة.
موجز رأيه أن النظام الذي يقبل بل ويأمر باستخدام العنف ضد شعبه، فتسيل بذلك الدماء في الشوارع، هو نظام لا يستحق البقاء، ليس ذلك من وجهة نظر أخلاقية فقط، بل ومن وجهة نظر واقعية أيضا، وفي معرض إجابته عن سؤال لي حول سكوت القوى الغربية عما يجري في سورية، أجابني على عجالة بأن هذه القوى ستتخلى عن موقعها قريبا، نخلص من هذا إلى نهاية مؤداها السقوط الفعلي للنظام السوري ليس في المستقبل فقط حيث «يتوقع» علماء السياسة بل «الآن» لأنه نظام قد سقط بكل المعايير القيمية الأخلاقية.
صب المعترضون جل غضبهم على هذه الرؤية «العاطفية» للأشياء، ودللوا على قولهم بما حدث في «حماة» إبان عهد الأسد الأب، وهكذا نظروا لما يجري الآن في سورية على أنه سحابة صيف سرعان ما تذهب ويعود النظام الشديد البأس، بالمقابل جاء تفنيد د.الغبرا لتلك الانتقادات قاسيا: فهؤلاء المعترضون يخلطون بين الانتفاضة والثورة، ما حدث في حماة كان انتفاضة محدودة وبالنظر لمحدوديتها فهي آيلة للفشل، أما الثورة، أو عاطفة الثورة، وهو ما يستشري الآن وبكل سرعة من قطر إلى قطر بنفس الأهداف ونفس الشعارات ونفس الطريقة بأرقام هائلة من البشر تجوب الشوارع فهو شيء مختلف تماما، إن هذا الاتساق في كل ما حدث في هذه الأقطار هو اتساق «الشعور» الثوري، وهذا الاتساق كفيل بجعل هذه الثورات محط دراسة علمية.
لم يسهب د.الغبرا كثيرا في هذا التمييز بين الانتفاضة والثورة، ولكن بإمكاننا على الأقل القول إن الانتفاضات لديه هي في الغالب فاشلة ومحدودة، بينما الثورات غالبا ما تنجح بالنظر لهذا الشعور العارم الذي يجتاحها بوجوب تحدي السلطة والانقلاب عليها، ولسنا بمعزل عن العالم، كما قال د.الغبرا.
على الرغم من اللون «الفوكايامي» الذي اصطبغت به رؤية د.الغبرا، من أن التاريخ يجري في اتجاه معين، اتجاه ديموقراطي ليبرالي بالطبع، وهو الموضوع الذي يحتاج تبريرا خاصا في نظرنا، يبقى ما يحدث في أرض الواقع دليلا صلبا على صحة قراءته.
ليس في إمكاننا اليوم أن ندفن رؤوسنا في الرمال عن هذه المتغيرات التي تجري من حولنا، ولا يمكن لنا أن نعتبر أنفسنا حالة خاصة لن تفض عذريتها هذه الثورات من حولنا، إن المطالبات اليوم في الشارع العربي، والكويت جزء لا يتجزأ منه، أقل ما يقال فيها هي انها «شرعية»: فالفصل الحقيقي بين السلطات، الدور المحدود للحكومات، الوقوف بمساواة وشفافية أمام القانون، احترام حقوق الإنسان، انتخابات ديموقراطية نزيهة، باختصار، على حد تعبير برهان غليون، عهد مواطنة جديد، هو ما يحلم به المواطن العربي وهو ما يسعى الآن مضحيا بحياته نحو تحقيقه.
[email protected]