د. محمد الوهيب
لا اكتب هذا دفاعا عن قناة إعلامية او صحيفة بعينها ولكني أدافع عن مفهوم تناضل كل الشعوب من اجله لدرجة ان البعض نادى بالقول ان هذا المفهوم هو فطرة لدى كل الافراد: الحرية. أليس من الغريب حقا ان يرفض الناس، كل الناس، ان يخضعوا لقهر واستبداد الآخرين، مهما تعددت صور هذا الآخر؟ يبدو ان هذا الرفض الجمعي هو الذي يدفع البعض للقول ان الحرية شعور غريزي.
الحرية هي غياب الاجبار والقسر من الخارج، وعلى هذا فالفعل يكون حرا بقدر ما يكون معبرا عن الذات وإرادتها. اما الذات الانسانية فتمارس حريتها من خلال القول والفعل، والحال ان كل تحديد وإجبار من الخارج لهذا القول او الفعل هو اقتطاع لجزء من حرية الانسان. ومن هتا تأتي اهمية الدساتير والقوانين فهي المنظم الرئيسي لحياة الافراد في المجتمع فتضمن حدود حرية كل فرد وتمنعها من الاعتداء على الآخرين. في الدول الديموقراطية ينظر للدستور والقانون على انهما تعبير عن حرية او إرادة الشعب وبالتالي فإن هذا المنع والتحديد لأفعالنا والذي يمارسه القانون لا يعد في النهاية إجبارا لان الفرد في الدولة الديموقراطية هو واضع القانون وهكذا فالاجبار لا يأتيه من الخارج بل من الداخل ولهذا السبب يعد هذا الفرد حرا.
نعرف اليوم ومن خلال نظرتنا لديموقراطيات العالم المتحضر انه كلما زادت ديموقراطية الدولة اتيح المجال وبصورة اكبر لتعبير الافراد عن ذواتهم من خلال القول او الفعل. والعكس بالعكس، فكلما زادت تسلطية الدولة قلت مساحة هذا المجال الذي يتيح للافراد التعبير عن ذواتهم. وقد يأخذ هذا المجال، وهو مجال سياسي بكل معنى الكلمة، صورا شتى، فهو الصحافة والبرلمان والقنوات التلفزيونية والانترن... الخ من وسائل تمكن الفرد او الجماعة من إيصال افكارهم للآخرين.
والسؤال هو إذن: ماذا يعني إيقاف او منع برنامج تلفزيوني من قبل الحكومة؟
يعني هذا المنع ان السلطة السياسية قد حددت ولجمت حرية البعض ولم تسمح لهم بالتعبير عن وجهة نظرهم. وفي هذا جنوح نحو التسلط فالدولة التسلطية هي التي تتدخل في طريقة الاشخاص في التعبير عن ذواتهم ووجهات نظرهم.
يعني هذا المنع ايضا ان الدولة قد تعسفت في ممارسة حقها حيث ان المتضررين من هذا البرنامج هم اشخاص بعينهم وإذا ما شعروا بوجود هذا الضرر فلهم حق اللجوء للقضاء.
يعني هذا المنع ايضا ان الدولة قد وقفت مؤيدة لوجهة نظر معينة ومعارضة لأخرى ومن المفترض في هذه الدولة ان تلتزم الحياد فيما يتعلق بالخلافات بين الجماعات المختلفة التي تنتمي لها.
يعني هذا المنع ايضا ان الدولة قد ابتدأت فقدان مصداقيتها: فالحكومة الديموقراطية، اي حكومة، قد قطعت عهدا ضمنيا على نفسها باحترام حريات الافراد في التعبير عن ذواتهم والتزام الحياد حيال مخاصمات الجماعات المختلفة، والحال ان الحكومة لم تلتزم بذلك العهد، فكيف يمكننا الوثوق بها مجددا؟ فكر فيها!
[email protected]