Note: English translation is not 100% accurate
يتربصون بعقولنا
الثلاثاء
2007/2/13
المصدر : الانباء
نجاح في عملية تلخيص الموضوع
حدث خطأ، الرجاء اعادة المحاولة
لا يوجد نتائج في عملية تلخيص الموضوع
بقلم : محمد يوسف
محمد يوسف
أضحكني خبر طريف سمعته من إذاعة «بي.بي.سي»، يدور حول بحث أجراه بعض العلماء توصلوا في نهايته إلى أنه من الممكن إجراء مسح إشعاعي على مخ الإنسان، يمكن من خلاله الاطلاع على ما يفكر به هذا الإنسان أثناء عملية المسح، وربما قبلها، ومن ثم تصبح نوايا الإنسان ـ بين عشية وضحاها ـ كتابا مفتوحا أمام الفاحصين، بخيرها وشرها، باستقامتها الصريحة، أو بالتوائها الماكر.
طرافة الخبر ـ في تقديري ـ تنبع من أن الإنسان منذ القدم يحاول مراقبة أخيه الإنسان، ليس في حركاته الظاهرة فحسب، وانما في داخله المجهول أيضا، وقد سعى الإنسان الى دراسة المجهول في الأحلام والرؤى، بقدر ما سعى الى دراسة المشهود من الأصوات والأحداث، وكلما تطورت الأدوات العلمية والبحثية في العصر الحديث (منذ بدء الثورة الصناعية) استغل الإنسان هذه الأدوات في التلصص على أخيه الإنسان، إما لهدف نبيل، كأن يفحص داء، أو يكتشف دواء، أو يعالج قصورا، وإما لهدف معوج، كأن يتجسس على تفاصيل ومعلومات وأسرار الآخر ليستفيد منها في محاربته سياسيا وعسكريا أو منافسته علميا واقتصاديا.
ومع هذه الرحلة «التكنولوجية» التي أقلعت بالإنسان إلى أقصى الآفاق لاستكشاف عالم المجهول، حيث غزا الفضاء، وحط على سطح القمر، وأرسل أدواته تستكشف في الأجرام البعيدة سرا وراء سر، مع كل ذلك ظلت تلافيف مخ الإنسان منطقة صعبة الاختراق، عصية على البحث.
ورغم اندفاع الإنسان على امتداد الكون بشغف لا يشبع الى استكشاف الأسرار الغامضة، وحل الألغاز الكونية، إلا انه لم يستطع ـ حتى لحظة سماعي ذلك الخبر الطريف ـ إلا أن يصور من المخ شرايين الدم، وشبكة الأعصاب و«التوصيلات الكهربائية».. وهي كلها عناصر «جسمية» يمكن تصويرها، وملاحقتها، وتتبع بداياتها ونهاياتها، مرورا بتفاصيل مسارها.
أما أن يخترع الإنسان ـ الذي لا يرتوي من خوض المجهول ـ جهازا يمكنه التلصص على الأفكار التي تتحرك في المخ جيئة وذهابا، والكشف عن النوايا التي تحرك سلوكيات الأشخاص، ومتابعة تأملات الإنسان سواء كانت دائمة مزمنة، أو مؤقتة شاردة، فهذا أمر مفزع حقا.
ورغم أنه ككثير من الاختراعات العلمية يهدف صاحبه بواسطته ـ في الغالب ـ الى ان يخدم البشر، فإنه سرعان ما سينحرف عن هدفه «النبيل»، بأيدي بشر آخرين، لكي يُستغل في الإضرار بالإنسان، والاعتداء على خصوصيته، وانتهاك حريته الشخصية.
فإذا صدق الخبر، وصنع هذا الجهاز على نطاق واسع، فلا شك في انه ستكون له آثار واسعة على تغيير المفاهيم في كثير من العلوم، خصوصا علم النفس والطب النفسي، وعلوم اللغة، والعلوم القانونية والجنائية وغيرها.
لكن الأهم ان وكالات الاستخبارات العسكرية وأجهزة الأمن الداخلي ستستخدم هذه الأجهزة بصورة خفية لتسترق «السمع» الالكتروني على أفكار الحكام والقادة، وربـــما زعماء العصــــابات الإرهـــابية، توفيرا للجهد، واستــــباقا للجريمة، حيث سيصير هناك مفهــوم جــديد لما يســـمى «الأمن الوقــائي».
وتبقى المشكلة الأكثر إثارة للجدل هي: الى أي مدى يحق للأجهزة الرسمية فتح عقول الشخص العادي (دون استئذان)، والاطلاع على عالمه الداخلي وأسراره العميقة؟ وأين ستكون النقطة الفاصلة بين ضرورات الدولة وحقوق المواطن؟ وهل سيعاقب الشخص على أفكاره ونواياه لو تعارضت مع القانون؟ وما الضمـــانات التي تكفل للانسان العادي الطمــــأنينة الى انه لا يقف أمام الآخرين «مفضوح العــقل»؟ ريثما توضع إجابات لهذه الأسئلة، نقول: كم هو مسكين هذا الإنسان في عصرنا، بعد ان أصبح يبدو أمام الأجهزة الحديثة، مجبرا على الوقوف في العراء، وقد جُرد حتى من أسراره الخاصة، التي ستصير مشاعا يُنشر على الملأ، وحينئذ لن يتبادل الأصدقاء والخصوم الاتهامات بإفشاء الأســـرار، لان كلا منا سيجد اسراره العميقة ملـــقاة الى جانب أسرار الآخـــرىن، على قارعة الطريق!
اقرأ أيضاً