تحظى الكويت منذ نشأتها بالكثير من أبنائها المخلصين الذين عملوا في مختلف المهن، واجتهدوا وكافحوا من أجل تطوير أعمالهم وإعلاء شأن وطنهم.
وكانت التجارة من أهم المهن التي ساهمت في بناء الدولة الحديثة، في ظل أشخاص سخروا جهودهم وأموالهم لتأمين مستلزمات تشييد أركان ومؤسسات الدولة، فكانت لها الريادة على مستوى المنطقة في الصناعة والزراعة والتجارة بفضل جهود هؤلاء المخلصين.
ورغم تعدد مجالات التجارة في ظل الانفتاح الذي عاشته الكويت، إلا أن فئة ليست بالقليلة أدارت ظهرها لهذا الوطن الغالي من أجل مصالحها الشخصية، وراحت تبحث عن الثراء السريع فاختارت نوعا من التجارة لا يحتاج إلى تفكير أو تعب.. تجارة تنفخ الجيوب وتزيد الأرصدة في البنوك إلى أرقام فلكية حتى ولو كانت بالسحت. إنها تجارة الإقامات أو بالأصح «الاتجار في البشر» التي استغل ممتهنوها حاجة البسطاء وأحلامهم في العيش الكريم، وراحوا يمتصون دماءهم ويحطمون مستقبلهم، وفي الوقت ذاته يدمرون وطننا الذي لم يبخل يوما عليهم، وتسببوا بطمعهم في رفع الأسعار على بقية المواطنين، دون مراعاة لحرمة أو شرع أو أخلاق. والكارثة أن منهم من لا يستحيي من هذه الأفعال، بل ويباهي بأخذ المال والتفاوض على التسعيرة!
القصص عن معاناة آلاف الوافدين الذين راحوا ضحية هذه التجارة لا تنتهي، وتخيلوا معي عامل نظافة لا يتجاوز راتبه عشرات الدنانير شهريا يجدد إقامته بمبلغ يتراوح بين 200 و400 دينار سنويا! وبعض الخدم يدفعون في مقابل إقامات حرة مبالغ تصل إلى 400 و500 دينار، أما العامل باليومية فيطلب منه مبلغ يصل إلى 1500 مقابل الفيزا، ثم يضطر عند التجديد لسنة أو سنتين لدفع نحو 800 دينار! وبالنسبة للعامل البنغالي قد يصل المبلغ المطلوب منه إلى 2000 دينار! فكيف يدفعها هؤلاء العمال البسطاء؟! بالطبع قد يلجأ كل منهم إلى السرقة أو اقتراف أعمال مخالفة، وقد يصل بهم الأمر إلى ارتكاب جرائم في سبيل توفير لقمة العيش لهم ولأولادهم! وكيف يؤمّن ذلك العامل المسكين مصاريف أهله في بلده وفي الوقت نفسه قيمة تجديد الإقامة؟!
الإشكالية أن المواطن البسيط الذي يحتاج إلى العامل هو من يتحمل نتيجة هذه التجارة غير الشرعية، حيث يتحمل الرواتب العالية والأجور المرتفعة، فضلا عما تتحمله الدولة من ويلات العمالة الهامشية!
بعض أصحاب الأعمال قد تحدث في شركاتهم ومؤسساتهم بعض التجاوزات من حيث جلب العمالة دون علمهم، حيث يتلاعب المندوبون بالمعاملات دون علمهم، لذا على أصحاب الأعمال التحقق من هذا الأمر لإبراء الذمة ووقف التلاعب.
وقد صادفت شخصيا بعض الحالات التي وقعت ضحية تجارة الإقامات، وعشت معاناة أصحابها ممن لا يقبلون أن يسلكوا طرقا غير مشروعة لكسب قوتهم، لكن بالطبع هناك حالات اتجهت للجرائم بجميع أنواعها.
من يعتقد أنني أبالغ في كلامي فليسأل خادمه في البيت أو عامل التنظيف في الشارع أو أحد أفراد الأمن والسلامة وعمال البناء والفنيين وغيرهم من الوافدين في كل مكان ليقف على هذه الحقيقة المفزعة ويتأكد من حجم المعاناة.
على المعنيين في وزارتي الداخلية والشؤون أن يتحملوا مسؤوليتهم ويتخذوا كل الإجراءات ويشددوا العقوبات حرصا على وقف هذه الجريمة بحق الكويت.
وعلى كل من يربح من هذه «التجار الرخيصة» أدعوه للتوبة إلى الله.. ونسأل الله أن يحمي بلدنا من هذه التجارة اللاإنسانية وألا يعاقبنا بأعمال مقترفيها.
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.