الخطاب الديني هو ما يطرح على الآخرين بهدف تعريفهم بالإسلام أو تثبيت إيمانهم أو إزالة الشبهات عن الدين، وقد اجتمعت غاية الخطاب الديني ووسيلته في قوله تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ـ الجمعة: 2).
فالخطاب الديني ينبع من الحواس ليخاطب الحواس عند الآخر، لذا لا بد أن يكون هذا الخطاب رقيقا ودقيقا ومتوازنا، به مرونة وتنازلات في غير أصول الدين يستشعر حالة المخاطب ويتعامل معها بأسلوب متوافق ومقنع، تحيطه الابتسامة ويغمره السرور والاحترام.
لقد قامت الدعوة في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم على هذه الصفات فكان يتعامل مع الناس حسب حالاتهم وما يحبون، فيذكر أحدهم بكنيته وينادي الآخر بشمائله وخصاله ويخاطب الجواد بكرمه وفضله حتى كسب قلوب الناس.
لقد كانت لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة تناساها الكثير من الدعاة حتى أصبح خطابهم الديني يلف ويدور على ضرورة الانتصار مهما كان الثمن، والدفاع عن الذات خوفا من السقوط، والحرص على المكتسبات وتحقيق المصالح.
فلم يراع في هذا الخطاب أصول الدعوة ووسائلها ولم تحقق غاية الخطاب العظمى في إظهار الصورة الحسنة لهذا الدين العظيم.
إن من الواجبات الضرورية على كل من يتصدى للخطاب الديني أن يشعر أولا بأنه ينشد الحق وأن يحترم من يخاطبهم ويتعامل معهم كأنه يلتمس منهم خيرا، فيعتبرهم إخوة إما في الدين أو في الإنسانية، يشعرهم بأنه يسوق لهم الخير ما استطاع ويقدمهم على نفسه وذلك بأسلوب جميل وطرح رقيق تتخلله الابتسامات والكلمات الطيبة المنتقاة والتقدير والاحترام حتى تنفتح قلوب الناس لطرحه فيغرس فيها ما يحمله من خير لدينهم ودنياهم.
يقوم الخطاب الديني في الغالب على النقل سواء من القرآن أو السنة أو غيرها، فعلى المخاطب أن يتحرى الدقة في هذا النقل فلا يجتهد إن كان من غير المجتهدين ولا يتعرض للخوض فيما يثير الشبهات دون تحقيق، ولا يذكر إلا الخير، فهو غاية الخطاب الكبرى، يحكى أن أحدا عرض على سقراط الحكيم قصة قال: سقراط: هل عرضت هذه القصة على الفلاتر الثلاثة؟ فقال الرجل: وما الفلاتر الثلاثة؟ قال سقراط: الأول هل القصة حقيقية أم منقولة إليك؟ قال سمعتها من صديق، والثانية هل بها خير أم شر؟ قال اغلبها شر، والثالثة هل تنفعنا وتحذرنا أم لا؟ قال لا.
فقال سقراط قصة منقولة لا نعلم صحتها وبها شر ولا تنفع ولا تحذر، ليس لي في سماعها شيء.
إن ما نراه اليوم من خطاب يسمى خطابا دينيا هو بالأحرى سيناريو يقدمه المحاور لتوجيه الآخرين للاقتناع برأيه وإلا فهم مخالفون وليسوا على المنهج القويم.
إن ممارسة الخطاب الديني عملية عظيمة شمر لها الأنبياء والمرسلون فأدخلوا الناس في دين الله أفواجا، لذا وجب على كل من أراد ذلك الأخذ بكل مقتضيات هذا الخطاب وإلا جلس في بيته خير له من أن يقع في المحظور.
[email protected]