الفساد الإداري في البلاد ظاهرة سلبية، انتشر حتى أصبح هو الأصل وغيره استثناء، مارسه الغني وتعلمه الفقير وأصلّه المجتمع حتى تحقق فينا المثل القائل: حط فلوسك بالشمس واقعد بالظلال، من يصدق إن الكويت بقيمها الوطنية وعاداتها التاريخية وحبها للخير والعمل الإنساني تصبح بؤرة للفساد الإداري ونهب أموال الناس في سبيل تحقيق منافع ومصالح لهم الحق بها، أقرها الدستور وأجمعت عليها القوانين، لم يسلم منه أحد حتى البعض يقول: ما تخلص معاملتك إلا بأحد الأمرين وجود صديق مخلص، أو دينار جاهز.
زمان ننتقد بعض الدول في أن أمورك فيها لا تتسهل إلا بمدة يدك بالمقسوم من أول ما تصل إلى أن تغادر، الحين أصابتنا العدوى فبعض صغار الموظفين من جلدتنا يملكون السيارات الفارهة والبيوت العظيمة ويتحدث كأنه من رجال الأعمال وهو فيما سبق لا يملك إلا راتبه الذي أثقلته الديون والأقساط والسبب المدخول الجديد... ويا للعجب اليوم التراخيص لها سعر والحصول على الإجازة سهل... بل إن بعض العيادات الطبية تمنح الإجازات المرضية بثمن بخس.
يحس المراجع وهو يتابع معاملته في مؤسسات الخدمات الحكومية أن التأخير والتأجيل أمر شائع إذا ما دفعت الإتاوة... فيقتنع بأن حفنة الدراهم التي يدفعها هي الواسطة الحقة فينصاع لها طوعا.
إن مشكلة الفساد الإداري في البلاد تكمن في ثلاثة محاور:
الأول: الإدارة وأقصد إدارة المؤسسات الخدمية، حيث إن الرقابة متواضعة، ومبدأ الثواب والعقاب شبه منعدم، واعطاء أهل النفوس الضعيفة كثيرا من الصلاحيات والمهام.
الثاني: المراجعون أنفسهم، حيث لهم دور كبير في تعزيز هذا الفساد وذلك من خلال شراء هذه الخدمة مع توفرها بالمجان، كما إنهم يتسترون على من يؤديها بالمقابل دون إحساس بالمسؤولية أو حق الوطن عليه.
ثالثا: عدم وجود أنظمة ولوائح واضحة تقنن هذه الإجراءات يعمل بها الموظفون ويسترشد بها المراجعون حتى لا يجد ضعاف النفوس مجالا لتأويل أو تعليل ما يقومون به.
لقد استشرى الفساد في البلاد والعباد حتى أصبح كالنار تلتهم الهشيم فأصبح شعور المراجع في إنهاء معاملته شعور الغريق الذي يلتمس قشة تنقذه من ظلمات هذا البحر الهائج.
إننا بانتظار ذلك القرار الجريء الذي يطفئ هذا الحريق ويضع الأمور في نصــابها، فنعيش في أمن وأمان وسعادة واطمئنان نؤكد الحقوق ونرفض الفسوق ونحمي البلاد مـن كل غش وفساد.