مطلق الوهيدة
عندما تستعرض وتتصفح حركة التاريخ منذ ما يقارب القرن في منطقتنا العربية يبدو لك ويبدو لكل مدقق في الأحداث ومواكبها ان العقاب الكوني بدأ يعاتبها على ما فرطت به من أشياء حباها الله بها، المنطقة العربية ومحيطها الإسلامي أمدهما الله بأقدم الحضارات والرسالات السماوية وكذلك الثروات الطبيعية: ماء وتربة ومعادن ونفط، ومن هذه الحضارات الأولى في الكون، وهي الحضارات الآشورية والفينيقية والفرعونية، كما توجد فيها أقدم مدينة في العالم وعجائب الدنيا ابتداء من الحدائق المعلقة الى الأهرامات المشيدة، كما برزت أخرى ثالثة لهما في جنوب الأردن، كما نزلت فيها الكتب السماوية: التوراة والانجيل والقرآن، ونظمت هذه الأمة منذ القدم حضاريا وعلميا ودينيا فيما يتعلق بجميع شؤون الحياة.
وكل ما أنف ذكره فرطنا فيه ولم نستفد منه حق الاستفادة، فالمصادر المائية تصب في البحار وبعض من تلك الدول عطشان والتربة الزراعية أهملت وهي من أخصب أنواع التربة في العالم حتى بدأ أهلها يستوردون المنتجات الزراعية من بلدان اخرى، والثروة النفطية بدأت عوائدها المالية تخزن في الخارج ولا يستفيد منها الوطن والمواطن العربي، وتتعرض دائما الى الحرمنة والهزات الاقتصادية الكاذبة والمضللة والمفتعلة، حتى يتسنى لهم الاستيلاء عليها ويحرموننا من الاستفادة من جزء بسيط منها.
وهذا كما قلنا في مقالات سابقة سببه حركات صهيونية وماسونية تتلذذ دائما بارباك العالم وخلق المشاكل له أينما كانت، وهي لن تتوقف حتى تسبب للعالم الحروب والفناء، فهذه الإرهاصات والتناقضات والخلافات التي تحدث بين قادة هذه الأمة دليل على عمى البصر والبصيرة والعياذ بالله، جدال هنا وهناك وأقوال وأحاديث في الكتب وفي الصحافة وفي القنوات الفضائية عندما تسمعها وتراها وتقرأها تبدو لك كأنها هزات أرضية ولكنها دون أعمال تنفيذية، فتنطبق علينا الآية الكريمة (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) أو المثل «أشوف كلامك يعجبني، وأشوف أفعالك أتعجب».
لاتزال هذه الأمة مع شديد الأسف تعمه في غيها سياسيا وتعبث في ثرواتها المالية وخلافاتها الفردية، هذه الأمة التي حباها الله كما ذكرنا آنفا بهذا الشموخ الحضاري، وخصها الله بهذه الرسالات الكونية، وأصبحت لغتها واحدة، وامتدادها الجغرافي واحدا، وصلة القرابة متوافرة هنا وهناك، ولم تستفد من هذه العناصر التي لم تتوافر في أي بقعة في العالم يبدو لنا كما لغيرنا أن العقاب الكوني بدأ يعطيها مؤشرات تحذيرية، فهل تفقه ما يحدث لها ومن حولها؟ وتستشف ما سيأتيها في العقدين المقبلين، وتستدرك وتستغفر لذنوبها وتصلح ذاتها وتنسق فيما بينها وتستفيد مما حباها الله به من ثروة وطاقة بشرية، وتفيد ما حولها استقراريا وأمنيا، فلا تجوّعوا الشعوب وتفتعلوا الأزمات والحروب لأنها ستقضي على الجميع، الكبير قبل الصغير، والغني قبل الفقير.
ونحن نكتب هذه العبارات لنبرئ أنفسنا أمام الله، ولعل وعسى ان يطلع عليها من هو معني بها، وألا يوكل أمره لبعض البطانات المستهجنة في عقولها وعقول الآخرين، وتحلل هذه المواقف وتلك وكأنها من نسج الخيال، وهي والله واقعة لا محالة، أما المواطن العربي فعليه ان يدقق فيما يثار في الصحافة والقنوات الفضائية التي بدأت تنتشر هنا وهناك بكثرة في هذه الأيام، ويبرز بها بعض الحوارات التي مقدمتها غمزا ولمزا وإثارة الفتنة، وختامها بكلمة «عسى وعسى» كلمة حق يراد بها ان تغلف ما اثاره باطل وترضي به ضعاف النفوس الذين في أركان المسؤولية سياسية أم تجارية، وهؤلاء أهل الحوارات الهابطة وأصحاب الجدال العقيم كثروا هذه الأيام في منطقتنا مع شديد الأسف وأصبحوا يلقون آذنا صاغية من بعض من الأصناف التي ابتليت بها هذه الأمة، ونحن كما قلنا سابقا على مالكي هذه النواحي الإعلامية الا يسمحوا لهذه الشرذمة بأن تعبث بهم وبالآخرين تحت مظلة الديموقراطية ومن ثم «سينقلب السحر على الساحر»، ويصبح الطالب مطلوبا ويغيب ويُغّيب عن الساحة من بدأ صنع الديموقراطية وتسلمها مع شديد الأسف من لا يعرف معناها او تحت مظلة ومفهومية كلمة حق ليصل بها الى الباطل، ومآربه الدنيئة التي جلبها وجلبت له من الخارج او كلف بها من أطراف متصارعة فيما بينها ولا تعي نهاية هذا الصراع ورسو السفينة.
ونريد أن نورد اليكم بعضا من الأمثال والحكم لأمة سبقتنا:
أما حبا وإلا جبا
قال: غن لها، قال: صقها
يا حافر حفرة السوء طحت فيها
إذا جاء الوجع في البطن، ما ينفع الدواء