مطلق الوهيدة
كتبنا على مدار مقالين سابقين عن رجالات الكويت وتسلسل بعض الاحداث المهمة في تاريخها والتي قسمناها الى 6 حقب، ونكمل اليوم الحديث عن جزء مهم من هذا التاريخ:
الحقبة السابعة: ظهر النفط كما تعلمون في اواسط الثلاثينيات واكتشفت بعض الحقول المنتجة، وتم حفر بعض الآبار الاختبارية، ولكن بعد ان اندلعت الحرب العالمية الثانية سنة 1939 رحلت هذه الشركات ومن ثم عاودت في اوائل 1946 وأتت بزخم من الموظفين والعمال والمعدات والذين تم انزالهم في منطقة الشويخ وتم بناء بعض المساكن والمكاتب لهم وأرسلت هذه المعدات الى ميادين العمل في الصحراء، وكان يتم تسجيل العمالة المحلية في منطقة الشويخ في بادئ الامر، فعندما يتم فحصهم بشكل مبدئي يتم ارسالهم لميادين العمل المنتشرة في صحراء الكويت، وكان الكويتيون منهم يعطون جنسية وهي عبارة عن ورقة عليها بيرق الكويت ذو البيرق الاحمر ومكتوب عليه كلمة الكويت، وكان يصرفها في ذلك الوقت المرحوم صالح الملا ومن ثم انشئت مدينة الاحمدي واختير لها موقع استراتيجي على هضبة العدال وسميت فيما بعد بالاحمدي نسبة الى أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله، وذلك في اوائل 1949، وتم اختيار هذا الموقع لسببين، الاول: اقتصاديا لأنها ترتفع عن سطح البحر ويتم تصدير النفط انسيابيا بواسطة الجاذبية، والسبب الثاني: لما يتمتع به هذا الموقع من شعاب ورواب وبعض من المنحدرات الصغيرة (الشعيب والبحرة)، وجزئت هذه المدينة في بادئ الامر الى 3 احياء وهي المنطقة الشمالية north area، وكان يسكنها الانجليز والاميركان، والمنطقة الوسطى أي mid area ويسكنها الهنود من الكومنولث، والمنطقة الجنوبية وتسمى south one، وتسكنها العمالة الباكستانية والعمالة الاخرى، اما العمالة الكويتية فكانت تسكن في بادئ الامر غرب هذه المدينة في بركسات مبنية من الطين والتبن ومغطاة ببعض الصفائح الحديدية المقوسة مثل مهاجع الجيش، والبعض الآخر كان يسكن في الخيام. وكانت جميع المواد ومتطلبات العمل تترك في الفضاء دون أي سياج يحميها ويقوم بحراستها بعض من البلوش الذين كانوا يخدمون في الجيش الانجليزي وقام أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله، بإرسال المزيد من الحراس من أبناء البادية لمساندة هؤلاء، وأوكل بتسجيل هؤلاء الحراس الى الرجل الفاضل سعود بن نمران وهو من المقربين من الأمير.
وقامت العمالة الكويتية بإشراف من الانجليز والهنود بمد الخطوط النفطية من الحقول النفطية مترامية الاطراف، وكانت هناك صعوبة النقل والتنقل في صحراء الكويت، ولكن جبروت هؤلاء الرجال الذين قلنا لكم سبق ان خدموا في الحربين العالميتين الاولى والثانية كانوا يعملون 24 ساعة على قدم وساق في فصل الصيف والشتاء وبين احراش الصحراء التي كانت مملوءة بالاشجار البرية والحشرات والدواب السامة. وتم بناء بعض النوادي الرياضية التي كان يقام فيها بعض من الانشطة الرياضية مثل كرة القدم والغلف والركبي والبلياردو و«تيبل تنس»، وكذلك أقيم في كل حي من هذه الاحياء مطعم يعمل 24 ساعة لخدمة جميع الورديات، كما اقيم فيها سوق مركزي خاص بالموظفين، وتم بناء خزانات النفط الجنوبية وكانت تساج بكثبان من الطين وكان يقوم بهذا العمل مقاول ورجل فاضل يسمى ابن هنيدي، ويعمل معه كثير من القصمان وأهل الزلفى وكانوا يجلبون هذه الرمال من دراكيل ويحملونها، أعزكم الله، في ذلك الوقت على الحمير، كما تم بناء المجمعات النفطية في البرقان وفي المعدنيات غرب قرية المقوع التي بني فيها مستشفى شركة نفط الكويت.
وقبل ذلك تم انشاء خط اسفلتي من مدينة الكويت الى الاحمدي ومن ثم الى وارة والبرقان، وعلى هذه المدينة النفطية ذات النموذج الغربي والتي كانت تتطلب ادارة تتماشى مع مفهوم سكانها ذي الطابع الغربي الى حد ما وذي الثقافات العالية تم تعيين أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد رحمه الله وطيب ثراه، وكان يتمتع بثقافة عالية ومفكر من الدرجة الاولى، وكان متدينا وهادئا وعالي الخلق ويتمتع بمعلومية واسعة في الشؤون النفطية والعاملين فيها من الاوروبيين ومسايرة ظروفهم التي تحتاج الى التأقلم مع الظروف في تلك الفترة، وكان دائما يزور هذه الحقول مترامية الاطراف ويقابل العاملين فيها ويتعرف على احتياجاتهم ويطلع على سير العمل فيها ويتعرف على انواع هذه الحقول كما وكيفا، وكان مكتبه في موقع القيادة غرب مدينة الاحمدي الآن، وفي ذلك الوقت كان هناك صنفان من الامن حماية النفط والمواد المتعلقة به، وهذا يتبع الشيخ جابر الاحمد رحمه الله، وهناك ما يسمى بأمن الحراسات داخل مدينة الاحمدي وهو تنظيم السكان في ذلك الوقت مروريا وأمنيا ويسمى دائرة الـ safety وكان الامن مستتبا.
وكان الشيخ جابر الاحمد، رحمه الله، يتابع ويطلع على النفط انتاجا وتخزينا وتكريرا وتصديرا، وكانت تأتيه هذه المعلومات يوميا من مكتب شؤون النفط الحكومي والذي كان يترأسه المحامي خالد خلف وابراهيم الملا، وكان يتمتع رحمه الله بخبرة واسعة في الشؤون النفطية ومشتقاتها وكان رزين العقل وذا طابع متدين واخلاق لا توصف.
وكان له بيتان بيت في مدينة الاحمدي وبيت في البرقان في منطقة جعيدان يرتاح فيهما عندما يكون عنده بعض من الوفود أو الاجتماعات في ميدان العمل وكان يأتي من قصر دسمان يوميا وبرفقته أمنيا السادة غانم وعبدالكريم وجراد وحربي وفي بعض الاحيان كان يرافقه من رجال والده القدامى الفاضلان عدس بن نمران وخالد الطشة الدقباسي، كما كان يأتي معه عبدالعزيز الوطبان الدويش وفيصل سعود الدويش ايضا، فعندما يأتي الى الدائرة يجلس في المجلس العام ويستعرض بعض القضايا الميدانية، وبعد ساعة ينتقل الى مكتبه الخاص (المختصر) والذي يستعرض فيه شؤون العمل والقضايا الرسمية، ومن ثم انتقل من الاحمدي سنة 1959 الى مدينة الكويت دائرة المالية.
فرحمك الله يا أبومبارك وأسكنك الله فسيح جنانه.. هذا وسنتابع معكم المتبقي من المعلومية حول الحركة الوطنية والنقابية وجمعيات النفع العام إن شاء الله في الحقبة الثامنة.