مطلق الوهيدة
وصلنا في حديثنا عن رجالات الكويت وتاريخها الحافل إلى «الحقبة العاشرة» حسب تقسيمنا، وفي هذه الحقبة يطيب لنا ان نتحدث عن الحركات العمالية في القطاع النفطي التي سبقتنا والتي عايشناها في أوائل الخمسينيات، حيث كانت الأعمال شاقة ومترامية الأطراف ومتباعدة في مواقعها في صحراء الكويت، وهذا كان تترتب عليه امور مكلفة وكثيرة، خصوصا ان وسائل النقل في ذلك الوقت كانت بسيطة، والمواد المستعملة في البناء ومراكز التجمع والصهاريج التخزينية للنفط من الآلات الثقيلة مع الظروف البرية التي لا تخفى عليكم قساوتها، فقام رجال من الذين يتمتعون بالوعي بمطالبة شركة نفط الكويت بتحسين ظروف العمل وإعطائهم بعض الحقوق، ولكن الشركات الاحتكارية ما كانت مستعدة لهذه المطالب والإذعان لها، مما دفع العمال في ذلك الوقت الى القيام بأول حركات إضراب عن العمل، مما جعل الشرارة الأولى تنطلق من عمال النفط، وقاد هذا الإضراب رجال أعرف منهم اثنين أحدهما اسمه عاشور والآخر اسمه سعود سعد الفارس المعصب، الذي كان مسؤولا في دائرة النقليات مما جعله يبذل جهدا خاصا في تعطيل حركة النقل في أيام الإضراب. وهو من الناس الواعين والرجال الذين لهم مواقف مميزة، وأنتم تعلمون صعوبة هذه المواقف، خصوصا في أيام سيطرة الانجليز مع قلة الوعي بين صفوف العمال في ذلك الوقت.
وبعدها بدأت الخلايا العمالية تتجمع في ميادين العمل هنا وهناك وبدأ الوعي ينتشر بين صفوف العمال والتعرف على حقوقهم ومكتسباتهم التي يجب على الشركة دفعها كما يقول المثل «الحاجة ام الاختراع»، وأصبح المد القومي من الديرة ومن العرب يمتد إلينا شيئا فشيئا حتى تكونت خلايا عمالية تحمل أفكارا وطنية وأعانها في ذلك قسوة العمل وعدم تطبيق العلاوات التي تطبق في القطاع الحكومي فبدأت تنشط نشاطا كبيرا بفضل رجال أصبحوا منظمين فكريا وقوميا، خاصة بعد ان عمل في الشركة قطاع كبير من العرب والفلسطينيين، وهنا أخذت هذه التجمعات تتصادم مع الشركات الاحتكارية حتى اصبح لها تأثير على مستوى النفط والبلد بشكل عام، والفضل في ذلك يرجع الى القوى الوطنية التي تتمثل في مجموعة الطليعة والشطر الناصري بقيادة جاسم القطامي ابومحمد، وعدد من المثقفين الذين لا نستطيع عدهم لكثرتهم، والمستغرب في ذلك، وقليلا ما يحدث في العالم ان قطاعا من التجار الذين يسمون بالرأسمالية الوطنية كانوا يدعمون هذه المطالب، خصوصا ما يتعلق بالتكوين النقابي، حتى أخذت الكويت استقلالها وشرعت القوانين، وأنشئت أول نقابة لشركة نفط الكويت كما أنشئت فيما بعد نقابة البترول الوطنية ونقابة شركة الخفجي ونقابة البتروكيماويات وانضوت هذه النقابات تحت لواء اتحاد عمال البترول ومن ثم انضمت الى اتحاد القطاع الحكومي وكونت الاتحاد العام لعمال الكويت.
وكان هناك بعض من العاملين الذين أشرفوا على بناء الجسم النقابي في تلك الظروف العصيبة في القطاع النفطي، وهؤلاء الرجال كانوا يحملون حسا وطنيا وارتباطا وثيقا مع القوى الوطنية في الكويت والوطن العربي وكانوا مفاوضين من الطراز الأول ونذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر السادة حسن فلاح وعجمان قبلان وناشي سعد وراشد سيف وبشير الشمري وماجد العتيبي وعبيد الشلاحي وضيف الله فلاح وناصر الفرج وجاسم التورة ولافي الحربي.
وكنا دائما نعقد اجتماعات يغلب عليها في أكثر الأحيان طابع السرية حتى بدأت المصادمات بيننا وبين هذه الشركات وقمنا بإضرابات متعددة لتحقيق المطالب العمالية، وكذلك لكسر سيطرة الشركات الاحتكارية لأن الهدف كان يحمل مطلبا وطنيا وماديا في نفس الوقت، وسأذكر واحدا من هذه الإضرابات التي تمت أوائل السبعينيات وكانت للمطالبة بتطبيق القانون 28 لسنة 1969 للقطاع النفطي لأن هذا الإضراب كان دسم المكاسب، لما احتوى عليه من مكاسب مادية ومعنوية مثل تكويت الشركات والعلاوة الاجتماعية والمعيشة والزوجية والعمل الإضافي وعلاوة الطريق والماء والكيروسين وتذاكر سفر الطيران والإجازات السنوية ودمج العمال في سلم الموظفين حتى نقضي على الفوارق التدرجية والترقيات من درجة الى اخرى، وهذا ما جعل الشركات تصر على إفشال الإضراب وعدم نجاحه، ولكن بتكتيك خاص كدراسة الأحوال الجوية، لكي يمتد الإضراب أطول مدة ممكنة في وقت لا ترسو فيه البواخر على الموانئ وتكون خزانات النفط لغير التصدير مملوءة بالنفط مما يجعل الإنتاج يتأثر تأثرا كبيرا وينعكس ذلك على الوقود ووسائل الطاقة في البلاد.
وكان الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء وحث شركة نفط الكويت على تطبيق القانون وإعطاء العمال حقوقهم، وألا يعرضوا البلاد لمشاكل يمكن الاستغناء عنها ولكن الشركة تعهدت بأن تفشل هذا الإضراب، وأعدت جيدا لذلك، ولكننا استطعنا بعون من الله وبتكتيك معين ان نكون أعلى منها تخطيطا، حيث قام اثنان من الذين يعملون في دائرة النقليات بتعطيل جميع الحافلات التي كانت معدة لنقل العمال لميادين العمل وهنا تم النجاح والفلاح للإضراب وعندما شعرت الحكومة بفشل شركة النفط في إتمام وعودها، طلبتنا عن طريق وزير الشؤون في ذلك الوقت حمد العيار واجتمعنا في بيته وجرت المفاوضات الى الساعة الثانية بعد منتصف الليل وكان حاضرا هذا الاجتماع رئيس الزميلة «السياسة» احمد الجارالله وكان صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد وقتها وزيرا للخارجية، وكان سموه على اتصال مستمر مع وزير الشؤون لحثه على تذليل العقبات والاتفاق على الحل وإنهاء الإضراب، وتم ذلك وكنا مسنودين من القوى الوطنية وبعض من أعضاء مجلس الأمة في ذلك الوقت ومن جميع القوى وحتى القوى النسائية لا ننسى تضامنها معنا.
هذا وسنتابع معكم بعضا من هذه الأحداث حتى يتبين لكم ان الفضل بعد الله يعود للعناصر التي سبق ان ذكرناها، حتى أصبح الجميع يتمتع الآن بتنظيمات وإن اختلفت أهدافها ومفاهيمها ولكنها نتيجة للتفاعلات التي سبقتها آنفة الذكر فلا أحد يجحد ما سبقه حتى لا يجحد عمله في المستقبل.
- مهما يكون صيفك حار.. مهما يكون فيه غبار
- أنت والله يا بلادي.. ثمرة من أحلى الثمار
- مهما يكون ومهما يكون.. أنت أغلى ما في الكون
- واللي مو عاجبه يا ناس.. خلوها لنا تكفون
- هي في قلوبنا محفورة.. حقيقة مو هذي صوره
- من أسسوها الأجداد.. أميرنا نمشي في شوره
- أسسوا لنا الدستور.. والحكم بيننا بشور
- واللي يخطي نقول له هوب .. ونصلح اللي مكسور
كلمات: سالم الوهيدة