مع مرور السنين واختلاف الأزمنة وتغيبنا عن الكثير مما نعرف من الأصدقاء، تأتي الأيام بعد وقت طويل بأحدهم، وتعود الذاكرة كثيرا الى الوراء من أجل التذكر.
فقبل أيام مرت واجهت احد الأصدقاء القدامى وعادت بي الذاكرة كثيرا لمراتع الطفولة والصبا، وتذكرت معه البساطة التي كانت تحيط بحياتنا، وتذكرت كيف كنا أنقياء لا هم لنا ولا مشاكل حولنا، تذكرت كيف كنا نأخذ من اليوم أوقاتا للعب وللتسلية، وتذكرت كيف تمر الأيام بنا دون ان نعرف من قتل أو تفجر ومن مات في حرب.
كنا لا نعرف وسائل التواصل بما تحمل من أخبار محزنة، ولا نعرف الانحناء خلف شاشات الهواتف لساعات بحثا عما يشغل فراغ أوقاتنا، وكنا لا نشاهد الفضائيات ولا شرائط الأخبار التي نقرأها الآن حتى في أحلامنا، كنا لا نعرف القنابل النووية ولا سقوط الطائرات ولا نفهم، لم تقام الحروب وتنتشر المجاعات؟
تذكرت الهدوء في الحياة وتذكرت انني لا أعرف «حبوب الصداع»، تذكرت ذهابي مع أبي- رحمه الله- الى صلاة الفجر وكيف كان المسجد يمتلئ بأحباب الله كل يوم، تذكرت الأمانة والصدق والنية الصادقة التي كانت بين الناس، وتذكرت كذلك الوفاء وتذكرت شوارعنا في العباسية.
لقد تبدل الحال، وأصبحنا نعيش عصر السرعة في كل شيء، وبات الهاتف النقال صديقنا العزيز، وأزراره تنقلنا من مأساة الى أخرى في هذا العالم، وأصبحت أحوال العباد في هذه الأيام المحزنة تزاحم الذاكرة وتحتل المكان الأكبر منها، حتى باتت الذاكرة مزدحمة بكل شيء يبعث على القلق، وتأخذ مكان ما كان جميلا فيها وما كنا نحب، فكم سنحتاج من وقت لمحو كل جميل من ذاكرتنا؟!
[email protected]