لم يكن حديثها عاديا عندما رمت لي بحقائق يندى لها الجبين في أروقة الوزارات وكيفية تعامل بعض المسؤولات مع الموظفات حينما قالت لي موظفة كان حديثنا مصادفة عن تقدير الكفاءة: «بقدر الهدية يكون تقديرنا».. حاولت استجماع انتباهي معها وبدأت بطرح أسئلتي عن هذه الظاهرة فردت: «في أغلب الوزارات ان كانت المسؤولة من النساء فإن تقييم الموظفات العاملات تحت إمرتها يكون بقدر ما تتلقاه من هدايا في مناسباتها العديدة، فعيد ميلادها الذي قد يكون مرتين في السنة له هدية وعيد زواجها له هدية وعيد ميلاد أبنائها له هدية، وعند سفر أي موظفة وحين عودتها تكون هناك «صوغة» وناهيك عن المناسبات الدينية فمثلا بالأعياد تتنوع الهدايا وفي رمضان هناك أخرى أيضا ولا تقتصر الهدايا على الماديات فقط بل لأنواع الحلويات والفطائر رونق خاص في هذه العلاقة».
لم أحمل كثيرا من هذه الحقائق على محمل الجد ولكن الفضول الصحفي ساقني للاستفسار من موظفات أخريات في وزارات أخرى ومنهن قريبات لي عاملات تحت رئاسة نسائية، فكانت الصدمة أن الأغلب أكد لي انتشار هذه الظاهرة وهو أن الموظفة إن أرادت أن تحصل على تقدير كفاءة مرتفع فإن ذلك يكون بحجم ما تقدم من هدايا وصوغات وكلام معسول للمسؤولة يصاحبه «مدح» فيما ترتدي المسؤولة من ملابس وتأكيد زيادة جمالها رغم السنين و«كركرات» تكون ذات صوت في حال سماع حديث منها وانتباه وإصغاء وكثير من هذه المجاملات التي لا تسمن ولا تغني إلا فقط لإرضاء صاحبة الفخامة المديرة، فميزان التقييم لدى البعض بحسب ما توصل له فضولي في هذا الموضوع ليس العمل والجد والاجتهاد و«الكرف» طوال العام، وإنما في إرضاء غرور بعض المسؤولات في العمل.
وحقيقة الأمر ورغم بحثي بشكل كبير حول هذه الظاهرة لنفيها لكونها «ما تدخل المخ» إلا ان الحقائق الصادمة أكدت وجودها بل وزيادتها في عدد من الوزارات وهي التي تحكم علاقة المرؤوسة بالرئيسة وهي والله من الأمور التي يندى لها الجبين حقا وتحتاج الى توعية بأحقية الموظفة بحقوقها مع التنبية على عدم تلقي اي أنواع من الهدايا والتي لابد أن تكون تحت طائلة العقاب الإداري.
وان يكن من أمر وقد تكون بعض الحوادث مبالغ فيها أو لا تعد ان تكون ظاهرة منتشرة إلا ان ذلك لا ينفي ان تكون هذه الحوادث حقيقة سواء كانت محدودة الانتشار او في اتساع، وما نتمناه ان يمنع اي نوع من تقديم الهدايا المبالغ فيها ليكون التقييم الإداري بحسب الجهود والعمل والإنتاج فقط بعيدا عن «مزاجات» بعض المديرات ورئيسات الأقسام!
[email protected]