أتذكر دائما هذه المقولة البليغة للقمان الحكيم، التي قال فيها: «ان من الكلام ما هو أشد من الحجر، وأنفذ من وخز الابر، وأمرّ من الصبر، وأحرّ من الجمر».
وليس هناك.. في زمان كهذا الزمان ومواقف كهذه المواقف وبلاء كهذا البلاء، من كذب وادعاء، ودعوات للتجمع وتنصل منها واتهامات بلا ادلة على تنصت على هواتف وملاحقات وتهديدات لمواطنين، الا حكمة لقمان التي ترد ببلاغة على هذا البلاء ومن ابتلينا بهم، ترد على فساد وأذى الكلمات التي يمطروننا بها على الساحة، بلا رابط ولا ضابط ولا وازع من قناعة او من ضمير.
يسوقون لنا تلالا من الكلمات المؤذية تعبيرا عن صراع مقيت غير مبني على أساس او حقيقة، ولا أدري الى اين يذهبون ببلدنا الصغير، آراء اقل ما توصف به بأنها هراء في هراء، وأصحابها يناقضون انفسهم كل لحظة، وإما ان هؤلاء بلغ بهم العمر عتيا، فأصبحوا يروننا بلا ذاكرة او انهم (...) لا يدركون ما يفعلون وما يقولون، كي يتناقضوا مع آرائهم التي اطلقوها منذ فترة قصيرة بكل فجاجة.
الانسان يمكن ان يناقض نفسه كطبيعة انسانية في تصرف، في كلمة، في موقف مضى عليه الزمن، لكن ان يكون مثل «العداد السريع»، فبين شهر وشهر تتحول القناعات وكلام اليوم ينسف كلام الأمس، من دون مسؤولية وبكل مجافاة للرصانة والرزانة السياسية.
مرة اخرى تجدد الكلام عن تعديل الدستور، ويحار الانسان في فهم هؤلاء الذين رفضوا بالأمس ما يدعون له اليوم، ويطرحون مواد مختلفة للتعديل، ويطلبون مطالب لا ندري لها أساسا او سندا، ولا تعدو كونها مجرد حديث يعكس شخصانيتهم.
عندما طرح «الراشد» فكرة التعديل انبرى وقال «لا فض فوه» د.الخطيب: الظروف الاقليمية خطيرة فلا تعبثوا بالدستور، قالها من دون ان يبين لنا ماهية هذه الظروف الخطيرة آنذاك، لكن السؤال: هل الظروف الآن (ثورتان في تونس ومصر، واحتجاجات في البحرين واليمن، ونظام حكم ليبيا على وشك السقوط) تغيرت وأصبحت الأوضاع احسن؟!
هل تغيرت الأوضاع حقا للأحسن؟ عندما رأيت بعض الشباب في الساحة الشهيرة ووقفت تخطب فيهم وكأنك من الثوار والمحررين من «الطغيان» الذي يمارسه الحكم في دولة الكويت، وتقول لهم: أنتم الضمانة الوحيدة، وأملي ان تكونوا يدا واحدة، وألا تنهوا التجمعات، وهذه الثورة لأن الكويت ستعود الى أصلها، وان الدولة بحاجة الى تطهير كامل من الخايسين والحرامية والمنافقين؟!
أسئلة كثيرة يجب ان يجيب عنها هذا الرجل «الكبير»، حقا، هل كان ما حدث في ساحة التغيير ثورة؟ وما معنى ان الكويت ستعود الى أصلها؟ هل هي «فرع» الآن مثلا تابع لجهة معينة؟ وهل الكويت تحتاج إلى «ثورة» مثل مصر وتونس، وما أدلتك على هذا؟
هل لدينا من الأسباب ما يجعلك تحض وتحرض الشباب على الثورة، هل لدينا اقصاء لتيارات؟ هل لدينا معتقلات وسجون سرية تحت الأرض، وجلادون في المعتقلات يختفي فيها الكويتيون، ولا يدري أحد أين ذهب بهم «عذبي الفهد» وراء الشمس؟!
هل انت تحلم أم تتوهم، وما هو امن الدولة هذا في الكويت الذي يجعلك تطالب بإلغائه أنت ومن معك؟ هل السبب هو الثأر مع الرياضة وتخليصه بإقصاء عذبي الفهد من رئاسة الجهاز؟ أم ان لديك وثائق سرية على فساد امن الدولة، الذي ترى انه تخريب للدولة وتطالب بإلغائه؟!
هل توجد دولة ديموقراطية بلا أمن ولا اجهزة أمنية تحفظ امنها الحقيقي؟ ألا ترى ما يحدث في مصر بسبب الغياب الأمني المفزع؟
وهل جهاز أمن الدولة لدينا يلاحق نشاط القوى الوطنية (مجازا) ولديه معتقلون ويتنصت على الهواتف ويرصد تحركاتهم واجتماعاتهم؟ هل أمن الدولة الكويتي يتدخل في التعيينات ويرشو الصحافيين ويرهب أو يغوي النساء؟ وهل انت واثق من انك كنت تتحدث عن امن الدولة الكويتي؟ هل انت واثق من ان الأمور لم تختلط عليك وانت تتحدث عن امن الدولة، فربما كنت تقصد امن الدولة المصري الذي تزكم اليوم فضائحه الأنوف وتبكي العيون من المظالم التي احدثها بالمصريين سنوات وسنوات؟ ام تراك اختلط الأمر عليك وقصدت امن الدولة التونسي الذي ألغي لأنه تحول الى سجن كبير للتوانسة؟!
اخشى انك لم تكن دقيقا، تماما كما كنت في الماضي أنت وتيارك القومي، فلطالما حرضتم في السابق ضد الأنظمة العربية ونفختم في الشباب روح التمرد، كما يقول كاتبنا وائل الحساوي، من اجل الانقضاض على الأنظمة الرجعية، فقامت الثورات الدموية لإسقاط الملكيات واستبدالها بالجمهوريات، فكان ان سقطت الملكية في العراق لكي يحكمه الشيوعيون والبعثيون الذين دمروه، وفي مصر جاء العسكر فخنقوا الشعب الى ان انتفض وقال لهم «كفى» وفي ليبيا سقطت الملكية فجاء الى الحكم اسوأ نظام اجرامي شهده التاريخ.
الزميل وائل الحساوي يرصد انك مازلت تنفخ في الشباب الاغرار روح التمرد والثورة المدمرة، التي لا نهاية لها لتفجير المجتمعات المسلمة تحت مسمى محاربة الفساد والتغيير، وانك اليوم تتحدث عن تغيير منهج، بينما انت وأصحابك «من كانوا يحاربوننا عندما تحدثنا عن تغيير المنهج واصلاح الدستور وتعديله، حيث اعتبرتموه من المقدسات التي لا يجوز المساس بها»!
هذا دليل آخر نسوقه للرجل «الكبير» الذي لا يجد في المطالبة بتعديل الدستور اليوم غضاضة ما دام هو ورفاقه ومن في خندقه هم الذين يفعلون ذلك، ترى هل تستقوي بالشباب الذين خطبت فيهم في ساحة الارادة (او التغيير كما وصفها بعض الثوار)؟
د.الخطيب.. أنت وعراب التكتل سنوات وسنوات وانتم تنعتون النظام القائم بأبشع الاتهامات والألفاظ وتشككون في الذمم وتروون قصصا مطولة عن الفساد السياسي والمال السياسي، واموال تخرج من البنوك في سيارات بيضاء وخضراء، ثم تذهبون بعد «الوصلة» التي أديتموها لتناموا في بيوتكم قريري العين وباب بيتكم مفتوح!
ألا تتقون الله في الكويت؟! ام تريدون ان تحرقوها كرها في النظام أو تصفية لحسابات الرياضة او بسبب رسالة حملت تهديدا للشاب بويابس، لا أحد يعرف مصدرها أو حقيقتها حتى الآن؟! وما مدى صحة هذا الزعم، أو ماذا حدث لهذا الشاب، وما اذا كان تم توقيفه وسحبه ومنعه من الكتابة؟
يا زعيم.. نحن لسنا في زمن السبعينيات او الثمانينيات، انما في 2011، الزمن تغير يا دكتور منذ سنوات وليس عدة شهور كما تغير رأيك 180 درجة اليوم.
.. والعبرة لمن يتعظ.
[email protected]