الغيرة.. شعور انساني غريزي يأتي فجأة لكنه بعدها لا يذهب أبدا، يأخذ أشكالا متعددة، فنحن نراه في كل وقت وفي كل مكان، في العمل، بين الأصدقاء، في البيت، بين من تجمعنا بهم رابطة الدم وأيضا بين العشاق والمحبين، وهذا هو الأشرس والأخلد لأن الغيرة أكثر ما يلهب العشاق واكثر ما يشعل جذوة الحب، وقد خلدها كتاب وشعراء وعشاق، وهناك قصص كالأساطير خلدت كل أشكال الغيرة.
لا احد منا لم يعش في حياته او يمر بهذا الاحساس، لا أحد منا لم يكتو بهذه النار في مواقف كثيرة، فيتحول التنافس الشريف الى غيرة والصداقة الى حرب بسبب صراع على موقع او منصب، انه شعور متوحش حينما يداهم الانسان لا يتركه أبدا ويسيطر عليه حتى انه بمرور الوقت يقتل كل ما هو جميل بداخله، والكتب السماوية رصدت هذا الشعور المعقد وجسدته لنا في صورة لسيرة وقصص حية، منها قصة قابيل وهابيل، التي كانت نموذجا لغيرة الأخوة الشرسة التي وصلت إلى حد سفك الدم وبسبب هذا الشعور حضت الأحاديث النبوية دائما على نبذه ودعت الى ان تحب لأخيك ما تحب لنفسك.
حينما تسمع كلمة «غيرة» حتما تتذكر حبا ضائعا أو اغنية قديمة أو واقعة لها ذكرى، وما اكثر ذكريات المحبين الغيورين، وهذا أخطر انواع الحب فالمحبة قد تصبح مرادفا للموت «ومن الحب ما قتل» والغيرة قد تكون قاسية وموحشة كالقبر ولكنها ايضا يمكن ان تكون كالهواء الذي يجدد الحياة للأزهار ويعيد إليها النضارة والرونق، والمفارقة انه رغم ان الغيرة قد تكون قاتلة وملهبة الا انها ايضا ملهمة، وتأملوا عشرات من كتب الحب وأساطيرها الخالدة تجدوا آلافا من الابيات المفعمة بالحب والآسى والشعور بالغيرة و«نار الغيرة».
والغيرة النبيلة هي التي جرى وصفها بقلم شاعر الحب أحمد رامي الذي انشد يقول:
«أغار من نسمة الجنوب على محياك يا حبيبي *** وأحسد الزهر حين يهفو على شفا جدول لعوب».
اما غيرة الشك القاتلة فقد جرى وصفها بقلم الأمير الشاعر عبدالله الفيصل حينما أبدع قائلا:
«يكذب فيك كل الناس قلبي *** وتسمع فيك كل الناس أذني».
إلى ان يقول:
«اكاد أشك في نفسي لأني *** أكاد أشك فيك وانت مني».
ويضيف الشاعر الغنائي عبدالوهاب محمد، بعدا جديدا للغيرة حين يقول في رائعته «ظلمنا الحب»:
«انا وأنت ظلمنا الحب بالغيرة *** وجبنا للظنون سيرة *** وقطعت الأمل مرات ما بين الشك والحيرة *** وكان الحب بينا كبير *** صغر لما ابتدينا نغير».
لكن الغيرة عند عبدالوهاب محمد في رائعته فكروني «مختلفة»:
«يا حياتي انا كلي حيرة ونار وغيرة وشوق إليك *** نفسي اهرب من عذابي نفسي ارتاح بين ايديك».
ورغم نار الغيرة ورغم عذاب الحب لا احد منا يستطيع ان يعيش من دون حب ومن دون الاحساس بالغيرة الملهمة، فيقول الشاعر:
«لعلك يا محب ظننت ظنا *** بأن الحب جمع وافتراق
اجل هو جمع وافتراق اوصال تداعت *** وفرقة مهجة ودم يراق
الحب سر سرمدي، خالد، وقصة طويلة، رفيقة للحياة، مليئة بالضحايا والشهداء، مليئة بالقتلة والأبرياء، مليئة بالأقوياء في الحب والضعفاء».
الحب.. عاطفة نبيلة، والغيرة عاطفة مشبوبة، وغيرة المحبين هي كالهواء للأزهار والماء للظمآن».
والشاعر القروي يلخص العاطفتين في بيت واحد فيقول:
«اني كريم احب المال مشتركا
لكن غيور أحب الحب محتكرا».
تنويه..
في مقال الأمس ذكرت انني اثلج صدري طلائع قوات درع الجزيرة وهي تتوافد على مملكة البحرين لتساهم في تأمينها وحمايتها، والقصد ليس حمايتها من أبنائها الشيعة، ليس هذا هو المقصود، ولكن لتجنيب الطرفين سيل الدماء.
فهؤلاء قاموا بالاعتصام ولديهم مطالب إنسانية يجب على حكومة المملكة ان تنظر اليها وتتفهمها، والله يحفظ البحرين من عدو خارجي يتربص بها ويستغل هذه الظروف لتحقيق اجندته.
.. والعبرة لمن يتعظ!
[email protected]