هل يعقل ما يحدث اليوم في وطننا الصغير الجميل؟ هل يعقل ما يحدث فيه من تجاذبات سياسية واستقطابات طائفية كريهة؟ هل يعقل ان الوطن الذي فقدناه في يوم أسود واستعدناه بالدماء والدموع والشهداء والتضحيات، نفعل به ما نفعله اليوم من تمزيق وتشتيت، وبعد ان أعاده الله لنا مرة اخرى بعد ضياع، نواجه كل هذا بكل هذا الجحود والنكران؟
هل يعقل ان بيننا من لا يدرك مغبة ما يفعله في ظل كل هذه الأخطار المحيطة بنا؟
هل يعقل هذا؟!
ربما! فقد يكون هناك من لم يسمع بجبران شاعر الحب والأوطان، الذي يقول في أحوال كهذه:
ما أكرمك أيتها الأرض وما أطول أناتك! نحن نزرع راحتك العظام والجماجم، وأنت تستنبتينها حورا وصفصافا، نحن نتناول عناصرك لنصنع منها المدافع والقذائف، وأنت تتناولين عناصرنا وتكونين منها الورود والزنابق، نحن نصبغ وجهك بالدم، وانت تغسلين وجوهنا بالكوثر!
قارئي العزيز.. أستحلفك بالله، ألم تشعر بانه يتحدث عنا؟! ألا يبدو حديثه وكأنه يعرفنا، ويروي بعضا مما يحدث لنا، ومعنا، وما يجري في وطننا؟!
وليس جبران وحده الذي يشعر بهموم الأرض والوطن، بل ان شاعرنا الرائع مسفر الدوسري أضاف الى هذه الصورة الشعرية أبعادا أخرى في قصيدة نظمها بعد احتلال الكويت ولاتزال كلماتها تتردد بداخلي كناقوس خطر، وفيها توصي الأم ابنها بالمحافظة على الأرض لأنها هي العرض، وهي الماضي وهي الحاضر، دعونا ونحن في محنة تجاذبنا السياسي والطائفي اللعين هذا نتذكرها، فالذكرى تنفع المؤمنين..
يقول الدوسري في رائعته «يمه أرضك»:
أمي.. قالت
يمه أرضك.. يمه أرضك.. يمه أرضك..
لا تبيع لو عود يابس.. عود أصفر..
من يبيع ذرة رمل.. يمه باكر باع أكثر..
يمه هذي الأرض أرضك..
هذي نبضك..
هذي أقدارك وحظك..
خل جفنك دوم يسهر
الوطن مهو قصيدة
تنكتب في قلب دفتر
الوطن يا وليدي.. أكبر
الوطن يا وليدي كلمة
تختصر ماضي وحاضر
تختصر أحلام باكر
الوطن.. موال أخضر
الوطن.. أيام حلوة
الوطن.. أيام عسرة
بيت وذكرى
شمس وقمرا
شوق دافي
حب دايم.. في عيون الكل يكبر
الوطن يا وليدي.. ناسك
يمه ناسك
عزوتك.. وحبال راسك
يمه لا يذبل حماسك
خل مواعيد الفرح
تنكتب بعيون باسك
خل جبين الشمس.. يا وليدي
مداسك
يمه لا تبكي قهر
لو يكون الضيم داسك
يمه يا شمعة بلدنا
انت يا وليدي سندنا
يمه وايد زين ساسك
أمي قالت.. والصدى ردد وراها
يمه أرضك.. يمه أرضك
يعني عرضك
وهو «الراس» و«الساس» و«المداس»! انها تعلم مغزى ومعنى بكاء الرجال وهم في أغسطس 1990 الحزين، قهرا وألما وحزنا، تعلم ماذا يعني ضياع الوطن، ومعنى ان الوطن يستحق وان الأرواح والنفوس تبذل لأجله رخيصة، وتدفع فداء له، بأبخس الأثمان.
لهذا قرائي الأعزاء.. أبدا لا تنسوا الوطن، في ظل تناحر البعض، لا تنسوا أبدا أحزان عام 90، ففيها ذهبت كل الصراعات والخلافات، ذاب الشيعي مع السني، والبدوي مع الحضري، توحدت كل دموع الوطن، لتتحول الى صرخة واحدة، ورجل واحد، لتقهر العدوان، وتسترجع حفنة من تراب الكويت، تلمسها بالأيدي، وتلثمها الشفاه، فلا تجعلوا شيئا يلهيكم عن كويتنا وعن وطننا ويبعده عنا مرة اخرى!
..والعبرة لمن يتعظ!
[email protected]