في إحدى ليالي صيف 1995 اشتكيت من آلام حادة في صدري، وقد اصر الزميل العزيز يوسف عبدالرحمن ان ينقلني الى مستشفى الصباح، طبيب الخفارة اجرى لي تخطيطا سريعا للقلب وناولني بضعة ادوية، ثم عدت الى الجريدة، واذا بالعم خالد يوسف المرزوق، رحمه الله، بدشداشة نومه واقفا في غرفتي ليسألني عن نتيجة الفحص.. طمأنته بأنها جيدة وأنه لا داعي للقلق، وكنت في غاية الاحراج، اذ انني لم اتخيل ان يأتي هذا الرجل الكبير شأنا مسرعا من منزله بدشداشة النوم ليطمئن على صحتي، وكان بإمكانه ان يتصل هاتفيا ليسأل عن حالتي ـ وهذا كرم منه ـ بدلا من هذا العناء.. لم يكتف بوليد، رحمه الله، بالسؤال عن الصحة بل طلب مني ان اترك العمل ـ كنت وقتها مديرا للتحرير ـ فقلت له: ستتأخر الجريدة، فرد: ان شاء الله ما تطلع.. روح ارتاح.. استأذنته ربع ساعة فقط لانجز بعض الاشياء، فقال وهو ينسدح على الغنفة: «وهذي نومة.. ما راحل اطلع من هنيه الا لما تخلص».
نظرت الى هذا العملاق الذي ترك فراشه الوثير بسببي لينام على غنفة صغيرة في مكتبي وأنبني ضميري: كيف ازعج العم خالد وأقلق راحته وهو الذي جاء ليتأكد من راحتي.. أيقظته من غفوته بقولي: عمي.. انا طالع.. فنهض وقال: اسبقني اشوفك تطلع بسيارتك جدامي.. خرجت من «الأنباء» وخرج خلفي.. وبعده دقائق عدت الى مكتبي لأكمل عملي.. هذا الموقف لن أنساه ما حييت، وكنت أذكره كلما ذكروا اسم «الأنباء» لان صاحبها ومؤسسها الذي عرفه الناس برجل الاعمال هو في الحقيقة شلال انسانية، فاض على معظم انحاء الكويت، ساعد المحتاجين، وكفل الايتام والفقراء، ودرس على حسابه في الخارج.. و.. و.. و.. ولما توفي، رحمه الله، اتعب اهله ولم يجدوا الراحة اثناء تقديم العزاء فظلوا وقوفا طوال الوقت لكثرة المحبين والاصدقاء في الكويت وكل الدول العربية، الذين جاءوا ليشدوا على ايديهم ويقولوا: ان خالدا ترك خوالد تسير على دربه.
ومن اول يوم تشرفت بلقائه في «الأنباء» ناداني قائلا: ابوأحمد.. وقد انحرجت في ان اصحح له تلك التسمية واقول: انا ابوبدر.. وظل، رحمه الله، يناديني لمدة 8 سنوات بهذا الاسم حتى أحببت ان اسمعه منه.
لقد فجعت عندما توفي ابنه وليد صاحب القلب الكبير.. وزادت الفجيعة بموت الحفيد خالد، ذلك الشاب الذي اختطفه الموت مبكرا، ولا ادري كيف تحمل قلب العم خالد كل هذا الألم، وقد يكون استعجل موته ليلحقهما لانه لم يقو على فراقهما.
المواقف التي جمعتني به كثيرة وتحتاج الى جريدة لا مقالة.. رحم الله العم خالد يوسف المرزوق وأسكنه فسيح جناته، وسيظل دائما في ذاكرة وقلوب كل اهل الكويت، ومنهم قلب «أبوأحمد» الذي جاءه بدشداشة نومه ليسأل عنه.