لم يساورني الشك ابدا في ان اتفاق «ايران» نووي ستمنى بعقبات فجائية تهمشه وتهزمه هزيمة نكراء تسحقه وتمحقه وتوقف انجازه في وقت ما لم يكن متوقعا اطلاقا على الرغم من الزمن الطويل او المطوال والمسار الذي مضى فيه من تشاور وتحاور مضن.
فما فتئ وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ونظيره الاميركي جون كيري يتقابلان ووفداهما في مدن اوروبية اياما طويلة ويقومان بعدها لاسابيع واشهر وايضا سنوات يقومان برحلات مكوكية تشاورية مع القادة في ايران والدول الغربية على غرار وزير الخارجية الاميركي هنري كسينجر الذي اثمرت رحلاته معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل خلال سنوات سابقة حتى ابرم السلام ودخل الرئيس المصري انور السادات التاريخ من اوسع ابوابه.
ولعل السبب في كل هذا يبدو مختلفا تماما، الا ان مهمات «ايران نووي» لم تؤت اكلها الا بعد ان اطلق الرئيس باراك اوباما خطبة مدوية أمام الكونغرس الاميركي محذرا من ان اجهاض الاتفاق سيقضي على اسرائيل بأسلحة نووية تمتلكها ايران، الامر الذي ادى الى موافقة الكونغرس بأكثرية 52 عضوا، ولا شك ان ايران من جانبها ابدت هي الاخرى سلبية واضحة اثناء التشاور مهددة بإغلاق مضيق هرمز في الخليج العربي، مما يلحق الاضرار بدول الخليج والملاحة البحرية.
ويضاف الى هذا الفارق الواسع بين العقلية الايرانية ونظيرتها الغربية حيث يثير الدهشة انطلاق مجاميع كبيرة من الشعب الايراني في مظاهرات تندد بأميركا وتنذر بالموت لها اثر مبادرة قام بها الرئيس الاميركي اوباما بالاتصال بنظيره الايراني هو اولا في سبتمبر 2014.
أما الولايات المتحدة فلا يفتّ في عضدها إلا ضرر يلحق باسرائيل ويثير قلق يهود اميركا بشكل مضن.
اما ان تتم اتفاقية ايران ـ اميركا فأرى انه جاء كإنجاز واضح المعالم بعد لقاءات ظريف وكيري في جنيف وفيينا ومونترو ولوزان حتى تقاربت لغة الحوار بين الجانبين اخيرا في فيينا.
وهكذا نرى انه على الرغم من الفارق الكبير بين عقليتي ايران والغرب، واجهت مصاعب جمة حتى رست سفينتا الجانبين على شاطئ الامان.
وان دل هذا على شيء فهو يدل على الاهمية الفائقة التي تلتزم بها اميركا لتحقيق الاعجاز وان قطع شوط طويل بينها وبين ايران. والعقلية الاميركية تتفتق عن ابهار لجميع انحاء العالم لتفتحها على وجوب تحقيق الواقع الاصيل والا لم ينزل رواد الفضاء الاميركيون على سطح القمر في السبعينيات من القرن الماضي، وكذا ايضا الوصول الى كوكبي المريخ وعطارد.
والمهم في هذا كله ان يهنأ بال دول العالم، وقد اثمرت جهود اميركا عن رضى يضخ جرعات راحة بال اسرائيل ويزيل القلق في ايران حول العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب.
ولعل الاتفاق يفيدنا نحن دول الخليج، حيث يزيح عنوة تهديدات طهران حول مضيق هرمز وايقاف الملاحة البحرية فيه، الامر الذي يضر كثيرا بالاقتصاد الخليجي وتصدير النفط الذي نراه يمنى منذ فترة بهزيمة انهيار سعره.
غير ان اتفاق «ايران نووي» يحقق انجازات فائقة على ارض الواقع تصب في صالحها الذي تتوق دوما له ليست لفترة قصيرة بل لأبعاد آفاقه ذات اطر تواقة الى ابقاء الاعلام دوما في صفحات بيضاء براقة.
[email protected]