قد يشعر الإنسان منا بالقنوط والحزن، ويحسّ بجهده يضعف ويتهالك في تراجع إلى الوراء ومن ثمّ يصابه مرض الاكتئاب الذي يبدأ بسيطا ثم لا تلبث طبقات الاحزان تدب الى نفسيته اولا بأول وتتكاثف «layers» فوق قلبه الذي اعتاد عليه فرحا وجذلانا يدفع به قدما الى الامام ولكنه بعد هذا تجده يعزف عن القيام بواجباته في المجتمع حتى انه ومع الشعور بالاحباط واليأس تراه يقبع في داره بل وربما ايضا تجده نائما على سريره يفكر في أمر مشاعره وادائه في عزوف منه عن ممارسة عمل بل تجد أمرا سلبيا خطير، تراه يفكر في العزوف عن التوجه الى العمل بدءا بغياب يوم بعد يوم حتى تقع الطامة الكبرى اذ يفكر في الاستقالة ليقبع في منزله وقد تملكه اليأس والاحباط، انه شعور حزين حقا، فبعد نجاح خلاق تراه يلبس احساس السلب والهزيمة والنتيجة فشل ذريع، وقد تتمادى هذه الحالة عنده فلا يخرج من منزله إلا فيما ندر، نعم انه شعور خانق ملازم قد لا يستطيع المرء التخلص منه ناسيا او متناسيا وبلا إرادة الرجوع الى الله جل جلاله وهو الأمر الذي لابد منه ولا فكاك حيث قال سبحانه (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ـ هود:6 ) وأيضا (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ـ يـس82) الى غيرها من آيات الله البينات التي اذا ما لجأ إليها المرء تكرارا ومرارا انقلب حاله الى نقيض ما كان هو عليه.
ولعل المرء منا يلجأ الى تفكير مميز اذ خلقه الله نطفة في باطن رحم الأم لتلاحظ بالطب كبرا لها بعد كبر حتى يحين وقت انطلاق الجنين الى العالم الخارجي ليلاحظ سباته وقلة حركته حتى انه يظل قابعا في وضع هو به دون حراك فاذا ما مضى الزمن معه تراه وفجأةيجوب كل مكان حتى ان الأمهات وفي حرص وحنان من قلوبهم تراهن يسجلن هذا التاريخ الى جانب تواريخ اخرى عاقبة تبين تطورات نموه وكبره على مدى تاريخ حياته.
ويفكر الانسان بعمق في هذه الحالة، فكيف هو الحال الذي كان عليه حتى كبر وتأججت معه آماله وأمانيه حتى انها تنخرط في عمق تفكيره اذ كيف خلقه الله هو من نطفة صغيرة ببلاغ القول ليتساءل في كذا حال حتى الكبر وهنا يقع الاعجاز الإلهي ليلبس المرء حالة من حب للحياة والعمل والجد، ناهيك عن شعور يسطع بالسعادة والفرح لتمضي حياته سعيدة فرحة لا يأس فيها ولا قنوط، مؤمنا تقيا صالحا فيقبل على الحياة كما هي الحياة تقبل اليه بقدرة قادر هو الخلاق القادر المعطاء.
نعم هذه هي الحياة- التي لا ادري سبب اقبالي عليها في مرح وضحك، فأبدو كأنني قد ملكت كل الكون فيكون، المرء منا متشبعا بالامل والرجاء والحب والاستماتة الفتاكة لرضا الله العلي العظيم فلا حزن ولا قنوط ولا نكران ولا سلب وانما هو شعور مناقض باساساته ومبادئه وانطلاقاته.
انها في الواقع سنّة الحياة يعيشها الانسان بحلوها ومرها، بجمالها وسوئها، والأهم من هذا كله الاقبال عليها بشغف والانطلاق بما هي عليه، والغوص في اعماقها بكامل السعادة، فيا لها من حياة بدأها صفرا يهنأ بها طولا وعرضا لينسى الماضي المؤلم ويبدأ من جديد.
قال تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى ـ النجم:41) صدق الله العظيم.
[email protected]