ناصر العنزي
هذه المباراة بحاجة إلى شاعر كي يصفها، بحاجة الى قصيدة تخلد الفوز الإسباني المستحق وترثي الحالة الانهزامية للألمان، هذه الكرة التي لعب بها الإسبان لم تلعب بها الفرق في المباريات الماضية اتوا بها من إسبانيا ليلة المباراة واحتفظوا بها في صندوق الأمانات، كرة خاصة بهم لا تفارقهم خفيفة كالريشة على اقدامهم وثقيلة كالحجر على خصومهم، تذوب كقطعة صغيرة من الكاكاو تحت اقدام تشافي هرنانديز ولا يراها الخصم إذا انطلق بها اندريس انييستا ويبحث عنها وإذا به يخرجها كما يخرج الساحر الحمامة من قبعته، هذه المباراة لا يكفي ان نشاهدها مرة واحدة وعلينا ان نأتي اليوم في نفس توقيت المباراة امس الأول ونجلس امام التلفاز وكأننا نتابعها للمرة الأولى، كي نصدق أن ما قام به الإسبان هو لعب كرة القدم التي نعرفها وليست لعبة جديدة اخترعها هؤلاء النجوم المتلألئة، علينا ان نجلس لنشاهد كاسياس وبويول وبيكيه وكابريفيلا وانييستا وتشافي والونسو وراموس وبوسكيتس وبيدرو وفيا كيف «حطموا» المكائن الألمانية ورموها خردة.
ماذا نقول عن الفوز الإسباني وتأهله الى اول نهائي له في كأس العالم، انه فوز في عالم الكرة لكنه في الواقع «سرقة» لكنها من نوع آخر فالسارق عادة يزج به في السجن، أما سرقة الإسبان فقد كانت محمودة أمام العالم شرقه وغربه جنوبه وشماله، سرقوا كل شيء سرقوا احذية خصمهم وجواربه وتركوهم حفاة في الملعب، سرقوا الكرة والمرمى والإعجاب والإبهار وباتوا ليلتهم في فراشهم الدافئ بانتظار هولندا في النهائي يوم الأحد المقبل.
فازت إسبانيا بهدف لمدافع برشلونة كارلوس بويول صفق له انصار ريال مدريد، فاز ابطال اوروبا بعدما كانوا في قمة حضورهم الذهني والبدني والفني واوجعوا الألمان بكراتهم القصيرة المتبادلة والهجمات المباغتة التي انهكت دفاع الخصم وجعلته يترنح مع كل هجمة اسبانية، نجح مدربهم فيسنتي دل بوسكي في إجبار الألمان على التراجع وجعل كل مفاتيح اللعب بيده، كيف لا وهو يملك لاعبين من نوعية تشافي وأنييستا وألونسو وفيا وبيدرو والأخير كان الشوكة في خاصرة الدفاع الألماني وكاد ان يسجل هدفا ثانيا لولا انه بحث عن الجمالية في التسجيل فضاعت كرته.
ألمانيا لم تقدم شيئا اكتفت بالحضور الى الملعب والتوقيع على كشف الانصراف والعودة الى الفندق، كانت بحاجة الى «عشرة» لاعبين آخرين لوقف المد والزحف الإسباني في خط الوسط، لم يكن الفريق الألماني «منظما» كما عهدناه وبعدما كان يفوز بالأربعة فقد كان محظوظا انه لم يخسر بأربعة.