ناصر الخالدي
احتضان الأطفال الأبرياء الذين خرجوا إلى هذا العالم المتلاطم بكثير من الأحقاد وبعض الأمور الخفية التي لا يمكن للعقل البشري أن يتصورها أو يتخيلها فكرة يقبلها البعض ويرفضها البعض الآخر، وما بين الرفض والقبول فترة من الزمن يعيشها هؤلاء الأطفال على حافة الطريق ينتظرون القطار أما قبول يعود بهم إلى الحياة وإما رفض يهدد مستقبلهم ويجعلهم عرضة للخطر، فمع القبول حياة جديدة من خلالها يمكن أن ينسى هذا الطفل واقعه الأليم أو على أقل تقدير يتقبل الوضع بأقل صدمة ممكنة، أما الرفض فيجعله ناقما على المجتمع وعلى نفسه وفي بعض الأحوال يتغلب على الظروف.
ومهما تكن الإجابة فاليتم بحد ذاته دعوة للمجتمع بأن يفتح أبوابه على مصاريعها ويحتضن هؤلاء الأطفال الذين ما عرفوا مهد الرعاية والحنان وما حماهم من برد الشتاء القارس حرير أو قطن أو صوف أو حضن أم حنون، بل هي الأرض التي ربما كانت شديدة البرودة وقست على هذا الرضيع، وربما كانت عكس ذلك، ومع هذا فهو لا يملك من أمره شيئا، إما أن يمر بطريقه محسن يحمله من قارعة الطريق ووحشة الزمان إلى نعومة الأسرة ورحابة المكان وإما أن يحاصره الجوع وينهشه العطش ويأتي الموت ليقضي على هذا الرضيع الذي لو وجد يدا ترعاه لكان الحال غير الحال، ولكنه القدر أخذ مجراه مات الطفل وكأنه ولد ليموت فالفاصل بين حياته ومماته شمس إما أن تظهر ليزداد الجوع والعطش وإما أن تغيب لينقطع الأمل وربما اختلف عن بقية الأموات فلا عزاء ولا مأتم ولا حتى عويل، سيدفن مجهول الهوية أنجبه رجل وامرأة بغير إرادتهما ولكنه الهوى عندما يعانق قذارة التفكير.
وعجبي من رجل لا يفكر في عواقب الأمور ولا يريد من الحياة إلا دقائق معدودة يعيشها كيفما يريد وحيثما شاء، ومن بعدها يخرج هذا الرضيع إلى الوجود ليجد امرأة، هي الأخرى أعجب من أمرها، فكيف تتنكر امرأة من غريزة الأمومة وتأخذ رضيعها ليس لإرضاعه والاعتناء به بل للتخلص منه وإلقائه في متاهات الطرق وكيف تستريح ضمائرهما بعد أن مات الطفل البائس المسكين وقد كان من الممكن إنقاذه، فماذا جنى حتى تمسه أضغان القذارة وبشاعة الشهوة.
تخيل منظرالأطفال مجهولي الوالدين، وهم يتساءلون ببراءة الأطفال من أين أتينا؟ ولماذا نختلف عن بقية الأطفال؟ انه سؤال صعب بقدر صعوبة الإجابة، وبقدر ما تحمل صدور هؤلاء الأطفال من حسرة وضيق أتوجه بطلب الى المجتمع أكمله لمراقبة الله عز وجل والابتعاد عن الرذيلة والتحلي بالأخلاق الحميدة والتمسك بالكتاب والسنة المفيدة.
جولة
قيل لبشار بن برد إنك لكثير الهجاء؟
فقال: إني وجدت الهجاء المؤلم أقوى من المديح الرائع ومن أراد من الشعراء ان يكرم في دهر اللئام على المديح فليستعد للفقر وإلا فليبالغ في الهجاء ليخاف فيعطى.