ناصر الخالدي
تستطيع أن تكتب الحقيقة دون زيف وخداع وتنشرها للناس كما هي وعلى العكس من ذلك فأنت تستطيع أن تلعب بالكلمات والجمل فتصيغ من الإشاعات ما يدمر الاستقرار ويقتل الهدوء وكل ذلك بقلم واحد، ولكن مع الأولى تظهر أصالة النفس وشموخ القلم ومع الأخرى تفضح دناءة الطبع واحتضار الفكر، وفي الأولى تحظى باحترام الناس أما في الثانية فلن تحظى إلا بالخيبة وتأنيب الضمير المستتر والذي تقديره ذهب مع الريح المنتشر.
الصحافة مهنة المتاعب، فهي رحلة شاقة من اجل البحث عن الحقيقة الغائبة والتي كثيرا ما يكون ثمنها الروح، فمطاردة الخبر وملاحقته أودت بحياة الكثير من الزملاء، ويحدث ذلك عادة في أيام الحروب ولكن وللأسف الشديد تستخدم هذه المهنة أحيانا من اجل مصالح شخصية ومن اجل تدنيس الرفيع وتطهير الوضيع وإشاعة الأخبار العارية عن الصحة، وكل ذلك فقط لإثارة البلبلة وإحداث ضجة وحتى يقال أن فلانا يتميز دائما بالقوة والإثارة، هذا مع أن العالم به الكثير من القضايا التي تستحق أن يسلط عليها الضوء بالشكل اللائق ما يغني عن هذه الطرق الملتوية، وليست شجاعة عندما نجرّح الآخرين وننال منهم لمصالحنا وأهدافنا ولكن الشجاعة كل الشجاعة عندما نحاول إصلاح الوضع بالنقد الهادف ونقل الحقيقة دون تضليل.
للأسف ننقل أخبار الجريمة ونتابعها بكل تفاصيلها ونهمل أخبار الأدباء والعلماء حتي انك تصاب بالإحباط لكثرة ما تقرأ عن الجرائم التي تنتشر في كل مكان، هنا سرقة وهناك خيانة وفي الصباح حادث وفي المساء أكثر من ذلك، فنحن بذلك أصبحنا وكأننا نعيش في مجتمع نصفه مجرم والنصف الآخر يتابع الجريمة، فما أحوجنا للأمانة الصحافية، وما أحوجنا للكلمة الصادقة حتى لا نعيش في دائرة الكذب والخداع فإن جمال الحياة ورونقها لا يكون إلا مع الصدق والصراحة والا فإنها بؤس وشقاء لا يحتمل.
في شارع الصحافة أسماء تتميز باعتماد الصدق في كتابة التحقيقات وعمل اللقاءات وكتابة المقالات، فهي بذلك تحترم آداب المهنة وتجعل لها مكانة عند القارئ وهذا ما نريده من جميع الإخوة الصحافيين حتى تعود للصحافي مكانته القيمة، فأغلب المسؤولين يوافقون على أن يقابلوا الجميع دون استثناء إلا مقابلة الصحافي، والحقيقة أني لا أعاتبهم على ذلك، لأن بعض الإخوة يأخذون الكلمة ويضيفون عليها أو يؤولونها كما يحلو لهم، وبعضهم يعتقد انه قادر على النيل من الجميع وانه قيمة سامية تختلف عن الجميع، فلا شيء مثل التواضع ومحبة الآخرين والتعاون مع الناس قدر المستطاع، فكلنا نستطيع أن نكتب، ولكن السؤال ماذا سنكتب ولماذا؟
أخيرا ليس من الصعب أن نمحو كل ما كتبناه من أخبار كانت لا تستحق المداد التي كتبت به ومن تصريحات لم تكن تستحق اهتمام القارئ ومتابعته، ولكن الصعب هو أن نمحو ما كتبه الله تعالى، وحاشاه ذلك، فهو الرقيب الذي عنده الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فكل ما كتبناه وسنكتبه موجود، لذلك علينا أن نتحرى الصدق ونتأدب مع أنفسنا ومع الآخرين ونراقب أخطاءنا التي لا تعد ولا تحصى قبل أن نراقب الآخرين.
جولة
لا يسخر من العلماء إلا الوضيع ولا يستهزئ بكتبهم ومؤلفاتهم إلا من سفه نفسه وأطاع الشيطان والهوى وراح مع الخلاعة والمجون، فالكتب الطيبة لا يقرأها إلا من طابت نفسه وتهذبت أخلاقه، أما الكتب الخبيثة فلا يقرأها إلا من خبثت نفسه وساءت والعياذ بالله أخلاقه هذا الذي لا يريد إلا الدنيا، فهي اكبر همه ومبلغ علمه، والمصيبة انه يسخر ويستهزئ والأمراض تحيط به من كل جانب.
وهذا دأب الفؤاد الخبيث الذي ينفر من أهل الصلاح والفلاح وأما الفؤاد الطيب فهو الراسخ في العلم ولو حاول الجهلة النيل من العلماء ما استطاعوا ولو مقدار ذرة، وكما قال المتنبي:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم